آخر الأخبار

التقويم الأمازيغي وسؤال الهوية

التقويم الأمازيغي وسؤال الهوية: هل هناك مجال لإطار تحليلي بديل؟

أثار النقاش حول التقويم الأمازيغي برقم 2975 العديد من التساؤلات حول جذوره ودلالاته ومدى ارتباطه الفعلي بتاريخ الأمازيغ وحضارتهم عبر القرون، ولتناول هذه القضية بموضوعية، لا بد من العودة إلى الوقائع التاريخية بعيدا عن الانفعالية والافتراضات.
تاريخ الأمازيغ غني بالنصوص والشواهد التي تعود إلى قرون طويلة، والتي اعتمدت في أغلبها التقويم الإسلامي كجزء طبيعي من حياتهم الثقافية والدينية. لدينا أدبيات تركها العلماء الأمازيغ منذ القرن الحادي عشر الميلادي بالحرف العربي، تحمل قيما فكرية وتاريخية عميقة. في هذا السياق، يبرز السؤال: هل هناك ما يربط الرقم 2975 بتلك الشواهد بشكل مباشر؟
في المقابل، لا يمكن مقارنة هذا التقويم أو قياسه بالتقويمات الأخرى، مثل الميلادي أو الهجري. تلك التقويمات لديها شواهد واضحة على اعتمادها منذ قرون طويلة، استخدمت بشكل منتظم في إدارة الحياة السياسية والاقتصادية، وأرخت بها الأحداث الكبرى بشكل متصل عبر النصوص التاريخية والعملات والنقوش على شواهد القبور … غياب شواهد مماثلة للتقويم الأمازيغي يضعف حجيته كمرجع تاريخي.
من جهة أخرى، الربط بين الأمازيغ الحاليين وشخصيات من العصور الفرعونية، مثل شيشونغ والأسرة الليبية القديمة، والذي حدد اعتلاؤها عرش الفراعنة كبداية لهذا التقويم، يحتاج إلى توضيح. فالفاصل الزمني الكبير بين الحدث كما هو معروف تاريخيا من جهة، وتأريخ بداية التقويم به من جهة اخرى، والتباعد الحضاري والجغرافي الذي يفسر غياب تأثيرات بارزة أو صلات سياسية وثقافية واقتصادية واضحة وموثقة بين أقصى طرفي افريقيا الشمالية تعود إلى هذه الفترة، يثير تساؤلا حول هذا الانتماء. إذا كان شيشونغ بطلا قوميا للأمازيغ، فهل يمكن اعتبار مصر، مصر النيل والدلتا، أيضا جزءا من هذه الهوية بحكم ارتباطها به؟
علاوة على ذلك، لا يمكننا أن نكون أكثر أمازيغية من الأجيال التي صنعت هذا الوطن عبر تاريخه العريق. من “باكا” وشخصيات العهد القديم، مرورا بالمرابطين والموحدين الذين جمعوا بين الدين والحضارة، وصولا إلى السعديين الذين وقفوا أمام الاستعمار الايبيري، وانتهاء بالفترة الوطنية الحديثة التي أفرزت أعلاما مثل المختار السوسي ومحمد عبد الكريم الخطابي. هذه الأجيال عاشت هويتها الأمازيغية دون الحاجة إلى اختراع سرديات جانبية أو التعلق برموز غير متصلة بواقعهم.
البديل الذي يحمل أفقا أكثر واقعية وكونية وانفتاحا هو تسليط الضوء على الدور الحضاري للمغرب في العصر الحجري المتأخر/ النيوليتيك كمركز زراعي أسهم في نشأة الاستقرار البشري وتطور الحضارة.. هذه الحقائق الأثرية المذهلة والمدعمة بالبحث العلمي توفر قاعدة أكثر قوة ووضوحا للافتخار بالهوية الأمازيغية (الكشف الأثري المذهل للمركب الزراعي في الخميسات مؤخرا يدفع المجتمع العلمي إلى إعادة النظر في تاريخ اكتشاف الزراعة والاستقرار المدني، بتمديده زمنيا وجغرافيا إلى أبعد مما كان يعتقد سابقا، أي إلى ما قبل حضارات الميزوبوتاميا والهلال الخصيب). اختيار أسطورة أو سردية رمزية للدفاع عن الهوية أمر مفهوم، لكن نجاح الأمم اليوم يعتمد على تبني سرديات قائمة على حقائق راسخة ومعطيات دقيقة. إن طريقة الدفاع الانفعالية عن هذا التقويم تكشف عن غياب سند تاريخي واضح، وتؤكد الحاجة إلى بناء هوية ترتكز على تاريخ موثوق بدلا من الاعتماد على رموز يصعب إثبات ارتباطها بالحاضر.
الهوية لا تبنى على أرقام غامضة أو أساطير عاطفية. إذا أردت أن تعتز بانتمائك، اسأل نفسك: ما الذي يحمل وزنا أكبر؟ أسطورة مشكوك فيها، أم حقائق تسرد بوضوح الانجازات الحقيقية لأجدادك وإسهامهم في كتابة قصة الإنسانية ؟ والله أعلم