النقاش الدائر حول عقوبة الاعدام في الكثير من جوانب غير مؤسس قانونيا ولا فلسفيا، بقدر ما هو مبني على ارث ثقافي ومرجعية تشريعية غير تعاقدية ، بمعنى مرجعية تستلهم شرعيتها من الماضي وتحاول ان تكيفه مع مقتضيات ولغة الحاضر.
على الدين يدافعون عن عقوبة الاعدام ،ان يعرفوا ان القانون الجنائي ينص عليها، وانه حتى التعديلات المرتقبة تتضمنها، وان احدى توصيات لجنة الانصاف والمصالحة ذهبت في اتجاه نقاش الموضوع، وان الحوار حول ما سمي باصلاح العدالة طرح الموضوع للمطارحات، وان المغرب للاسف لم يصوت 6 مرات داخل اروقة الامم المتحدة على احدى التوصيات بوقف الاعدام، علما انه متوقف التنفيذ ليس بقرار قانوني ولكن لاعتبارات اخرى منذ 1993.
الاعدام منصوص عليه قانونيا رغم ان النص لا يتطابق والدستور الذي يؤكد على الحق في الحياة، ورغم ان الدولة في تقديمها للاسعراص الدوري الشامل امام المجلس الدولي لحقوق الانسان ، او اثناء تقديمها للتقارير حول المعاهدات والاتفاقية ، تطرح دائما بانها ستفتح نقاشا حول الموضوع سواء النقاش بين الفرقاء او المجتمعي.
ما نريد قوله ان نقاش الاعدام مغلوط لانه منصوص عليه، وبالتالي اعتقد ان يطرح المساندون والداعون للاعدام، تنفيذ الاعدام ، وان يفصحوا عن ذلك بكل الشجاعة المطلوبة.
بالنسبة لنا عليهم ان يكونوا اكثر وضوحا عبر الافصاح عن مرجعيتهم الفكرية والتشريعية، بما ان القانون الوضعي واضح بنصوصه ، عليهم ان يفصحوا عن مصدر تشريعهم، وحتى نكون اكثر وضوحا ،عليهم الا يختبؤوا وراك ستار القانون لانه فضهم بنصوصه، التي نختلف معها في العديد من التفاصيل، ونؤكد على ضرورة مطابقتها للقانون الدولي لحقول الانسان، ونشير ان مرجعيتهم تعتمد الحدود والقصاص، في العديد من القضايا( السرقة، الزنى، الردة، الحرابية، والقتل ، والجروح ، والاصابات و….) وهناك محرمات اخرى حسب منظورهم للحلال والحرام ، اعتقد لم ترد فيها حدود . فالقول بالقتل والرجم والشنق والجلد وغيرها من الحدود ،لم يستعض عنها هذا الثيار بشكل نهائي ،فكلما تمكن في نقطة جغرافية من الارض طبقها، وحين يستعصي عليه ذلك ينحني للعاصفة ويقبل بنصوص قانونية جزائية تعوض الحدود، وفي نفس الوقت يسعى كلما سنحت له الظروف وموازين القوى المجتمعية بتفسير النص القانوني وإعطاءه بعدا حديا تدريجيا ، وقد يتم هذا باستغلال حالات الغضب الانساني، او الفواجع والكوارث الطبيعية وغيرها من الظواهر الذي يعطيها هذا النسق الفكري والسياسي بعدا ميتافيزقيا ولاهوتيا ،مستغلا المشاعر والوجدان. في حين هذا الثيار لم نسمع عنه يبدع او يطرح نقاشات حول قضايا الفساد المالي، تبدير واختلاس المال العام ،اي ما نسميه الجرائم الاقتصادية والاجتماعية ، من منظوره الفكري والتشريعي بل يركن الى ماورد بشأنها في القانون الوضعي
ان الدعوة للقتل خارج نطاق القانون ، وان كنت ضده حتى في نطاق القانون لتعارضه مع قيمة قدسية الحياة، وللقصاص هي مقدمات لاعادة أحياء الحدود وإلغاء النصوص القانونية في حالة التمكين السياسي والمجتمعي لهذا الثيار.
اطلاقا غير مقتنع بان الاعدام عقوبة ، كما انه ليس من السهل وقف الجرائم بمختلف دراجات بشاعتها بتنفيذ الاعدام باشكال مختلفة سواء في اماكن مخصصة لذلك او امام الجمهور ، والدليل ان بلدان تعرف تطورا متزايدا للجريمة مع انها تنفذ الاعدام، بل هناك ولايات بامريكا تصدر وتنفذ احكام الاعدام في حق قاصرين عمرهم 15، بالمناسبة الولايات المتحدة الامريكية لم تصادق على اتفاقية حقوق الطفل.
ونعتقد ان النقاش السليم يكون حول كيفية قطع دابر الجريمة، واستئصال مسبباتها، خاصة بعض الجرائم التي يمكن تقليصها او القضاء عليها، وكيف يمكن تطوير التشريع والردع القانوني، وفي حالات اغتصاب القاصرات والقاصرين ، فعلى المشرع ان يجرم البيدوفيليا باعتبارها جريمة قائمة بذاتها وقد ترقى الى الانتهاك الجسيم او ضد الانسانية، لاننا نعتبر اغتصاب القاصرين وتعذيبا ،وليس من المنطقي الحديث عن الاغتصاب المقرون بالعنف، والاغتصاب غير المقرون بعنف، لان هذا يحمل في طياته وكأن الطفل سيق برضاه للجحيم ، في حين انه في كل الاحوال هو مسلوب الارادة والقوة ، كما انه لا يمكن ان يعتد بكلامه والاخذ باقواله حول الارادة من عدمها. وفي السياق على القضاء تصليب العقوبات ، ولعب دوره في الردع ، واضيف انه وجب وضع القاصر الضحية تحت مسؤولية قاضي الاحداث في حالة تنازل ولي ضحية الاغتصاب ، والا يأخذ بهذا التنازل سواء للتخفيف وغيره ، و نفس سياق محاربة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل وضمنها الاغتصاب والاستغلال الجنسي وجب الانتباه الى عدم اغفال تجفيف المستنقعات المنتجة للجريمة والمسببة لها والمحرضة عليها.
وختاما ليطمئن الداعون لعقوبة الاعدام، ففي ملف مشابه للشهيد الطفل عدنان، صدر قبل اقل من سنتين من طرف الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بمراكش حكما بالاعدام في حق الجاني الذي اغتصب وقتل طفلة عمرها 11 سنة. لكن وجب الانتباه ان الهدف الان هو الضغط لعدم احراز تقدم في المناقشات القادمة للقانون الجنائي، والاخطر تهييئ المجتمع لمشروع يتجاوز النصوص القانونية الحالية بقصورها ، لبناء منظومة قانونية تراجعية متخلفة عن التقليدانية وتمهد لشريعة الحد مستقبلا ،، انهم واعون بما يفعلون يربطون جيدا بين التكتيك والاستراتيجة وما يروجه البعض انه مجرد انفعالات يبدو لنا غير ذي حجية ، فالتحريض على الكراهية والقتل منتشر ، والهحوم على كل من يعرضهم قائن ، وبالتالي فاي تراجع من طرف قوى الديمقراطية والعقلانية المؤمنة بالمرجعية الكونية لحقوق الانسان تحت تأثير فظاعة الجريمة او الهجوم الكاسح للمحافظين او بدعوى ان المجتمع غير مهيئ وغيرها من التبريرات ، سيضعف قدرة الحركة الديمقراطية والتنويرية على خوض الصراع الفكري والقانوني والحقوقي، ويضعف من تاثيرها للمساهمة في بناء دولة الحق والقانون، والديمقراطية وكافة حقوق الانسان للجميع، ويفسح المجال ويعبد الطريق لبناء الدولة الاطلاقية.
عمر اربيب ناشط حقوقي