إدريس الأندلسي
تشبتت الحركة النسائية بعرف حقوقي منذ العديد من السنوات. كان البدء مع إتحاد العمل النسائي ليصبح مناسبة لكل من له غيرة على دور المرأة في بناء مجتمع و اقتصاد و سياسة على أسس العدالة و المساواة الإيجابية بين الرجل و المرأة. و لهذا الغرض استمرت الحركة النسائية في تنظيم محاكمة رمزية لا تستهدف الرجل و لكنها تستهدف منظومة ذكورية قانونية و سياسية و دينية تخالف المبادىء العليا للقانون و حقوق الإنسان و بناء مجتمع يضمن بناء الأسرة كنواة لبناء وطن يسمو بكل مكوناته.
أؤكد و أشهد و أنا هذا المواطن المتتبع لقضايا وطني أن النساء أكثر صلابة من الرجال في الثبات على المواقف. أشهد، و أنا في كامل وعيي التاريخي، أن النساء لهن قوامة تفوق تلك التي الصقت بذكور لا قدرة لهم على المسؤولية الأسرية. أشهد أمام محكمة الأسرة ” الرمزية” أن عوامل تخلف بلادي ترجع ، في جزء كبير ، إلى سيطرة فكر ذكوري على القرار و على الحضور و على تنظيم سيطرة الظلم. أشهد أن النساء لهن علاقة شبه مقدسة مع ساعات الصباح الأولى. تستيقظن، و الرجل لا زال غارقا في أحلام الذكور، لتحضر ملابس الأبناء و فطورهم و لكي تعبر بهم كل المسالك الوعرة و الخطيرة للوصول إلى المدرسة.
أشهد أن كثيرا من ” الرجال ” لا يطيقون الإجابة على أسئلة الأطفال المتعلقة بدروسهم و صحتهم و أكلهم و لباسهم. أشهد أن الرجل لا يطيق، في أغلب الأحيان، الاستيقاظ لمرافقة أطفاله إلى المدرسة و يكاد يكفر بواجبات الابوة مع رفع الصوت عاليا لقمع صوت صغير يحمل سؤالا بريئا حول الحق في السؤال.
أشهد أنني أعطيت لأسرتي أقل بكثير مما أعطته زوجتي لها. سافرت فغطت على غيابي. كانت الأكثر حضورا في ليالي مرض الأبناء و صراعها من أجل تخفيف آلامهم و هي تقدم لهم جرعات الدواء بحب و ألم و أمل في الشفاء . أشهد أن كثيرا ممن أعرفهم، و من بينهم مثقفون و مناضلون و حقوقيون و أشباه رجال كانوا يحملون في الداخل ضدهم كما قال مظفر النواب.
أشهد أمام محكمتكم الموقرة أنني. على العموم متخلف، عفوا متخاذل، لا أنا ذلك الذي لم اتعاطف يوما مع قضية نسائية. كنت أعيش على هدي من ادعى أن لي الحق، كل الحق أن أضرب هذه الزوجة غير المطيعة لأنها لا تستجيب لي متى شئت و وقتما شئت . و أشهد أنني، كما سمعت من فقهاء، عرفت بعد وقت أنهم شياطين، أن زوجتي سترجمها الملائكة و الشياطين كلما قالت أنها مرهقة و تريد أن تستعمل حقها في الخلود إلى النوم.
أشهد و أنا في كامل وعيي، أنني أشعر بقدرتي على تدمير طليقتي كيفما شئت. لدي القدرة على التغول عليها. هي لن تقدر على مصاريف المفوض القضائي. و أنا يمكن أن أدفع آلاف الدراهم لأراقب وصولها رفقة إبني إلى المدرسة في الوقت المضبوط ، و اراقب خروجها و رجوعها إلى البيت، و اراقب أين ينام إبني الذي لا أتابع دراسته و لا تهمني تربيته و لا ملبسه و لا تغذيته.
أشهد أن المال لا يعوزني و لكن القضاء يرفض للمرأة أن لا تتعب من أجل البحث عن مكونات دخل و أرباح الزوج و حساباته البنكية و عقاراته و كل مكونات ثروته. قد ادلي بوثائق تحدد دخلي في مستوى بسيط جدا. و هذا هو القانون الذي لا يمكن زوجتي السابقة و أم أولادي أن تظل ضعيفة أمام مناوراتي. من حسن حظي أن المدونة لا تحمي المرأة في مجال النفقة. المحكمة تطلب من المرأة أن تقطع ألف ميل كمسافة لتبين بالدليل حجم دخل الزوج. و هنا يغيب العدل و يبدأ مسلسل تدمير مستقبل الأطفال و حتى الرضع من بينهم.
أشهد أيها السادة و السيدات القضاة و القاضيات أنني جد مطمئن على قدرتي على قهر المرأة بحكم القانون و بالسيطرة على الأسرة. أنا القوي الذي أقرر تسجيل الأبناء في المدرسة. أنا القوي الذي أقرر في تسليم نسخة من شهادة ميلادهم و القبول في حصولهم على جواز السفر و أنا الذي قرر المشرع أن أكون الأقوى في مستقبل كل أفراد الأسرة. و أنا الذي اتخذت قرار الطلاق و عقاب كل أفراد الأسرة.
لدي دخل بالملايير و لدي رغبة في أن أصرف على أطفالي من امرأة انفصلت بقليل من الدراهم. و هذه الرغبة يعضدها حكم المحاكم و هذا هو القانون. أعرف أن كثيرا من اهل مهنة القانون يجتهدون لحماية الذكر من حجم مطالب أسرة قرر أن لا يراها في محيطه و لا أن يتتبع مآل فلذات اكباده. أشهد أن كل المؤسسات تحميني من تبعات زواجي.
أشهد أن مدونة الأسرة تمنحني إمكانية إختيار مكان المحكمة التي ستنظر في قضية طلاقي. يمكنني أن أسجل عقد الزواج في المدينة التي اختارها و أن أدفع ما يكفي لتنقل العدول إلى مدينة سكن الزوجة خلال حفلة عقد القران. و هكذا أتمكن من تعذيب أهلها عبر اجبارهم على التنقل لمرات متعددة إلى محكمة مدينتي مع اثقالهم بمصاريف التنقل و المبيت.
و لهذا أشهد أنني أجد في القوانين الحالية سندا كبيرا لكي أؤكد أنني ذكر يلقى كل التقدير و القوة للتأكيد على أن ” الرجال قوامون على النساء ” بما ملكت أيديهم و بما مكنهم فيه المشرع من قدرات على قهر الأسرة و تحطيم مستقبلها. أشهد أنا الذكر ذو القدرة أنكن لن تنقصن من امتيازاتي مهما طال الزمن. هل سيتغير القانون بفعلكن…آنذاك سأقول كلاما آخر في المحاكمة المقبلة سنة 2025.