محمد نجيب كومينة
هناك اعتقاد سائد بان جنوب افريقيا تعادي المغرب و تتحالف مع الجزائر وتدعم جبهة البوليساريو الانفصالية من منطلقات ايديولوجية، و هو اعتقاد خاطئ تماما، لان هيمنة حزب المؤتمر الوطني على الحكم بجنوب افريقيا مند نهاية نظام الابارتهيد في تسعينات القرن الماضي لا تعني، باي حال من الاحوال، ان البلد سائر في نهج يساري اشتراكي سواء تعلق الامر بالسياسات الداخلية او السياسة الخارجية والتحالفات الدولية، بالرغم من حفاظ الحزب الحاكم على الواجهة نفسها التي كانت له في زمن النضال ضد نظام الفصل العنصري.
ذلك ان جنوب افريقيا محكومة اليوم من طرف الاغنياء الجدد المسيطرين بالمال على الحزب الحاكم، ومن ضمنهم رئيس الدولة الملياردير رامافوزا و صهره الملياردير مونسيبي على سبيل المثال لا الحصر، وتربط هؤلاء شبكة من العلاقات المصلحية مع الاغنياء البيض (الافريكانر)، الذين يستمرون في وضع اليد على الاقتصاد و التاثير على القرار، مع العيش في دويلتين منفصلتين عن الدولة داخل جنوب افريقيا، ومنهما اورانيا التي كشف عنها جمهور الرجاء البيضاوي الرائع، كما تربطهم علاقات مصالح مع الشركات الاروبية والامريكية وغيرها التي تجني ارباح طائلة من السوق الجنوب افريقية ومن انشطة التعدين والانشطة الصناعية.
و ينضاف الى هؤلاء فاسدون، غارقون في الارتشاء و تبييض الاموال، ومنهم على سبيل المثال الرئيسان السابقان اللذان حوكما ضمن اخرين في جرائم فساد، تقتصر على الجزء الظاهر الذي لم يتات اخفاؤه، اذ لو فتح ملف الرشاوى المتلقاة من النظام الجزائري ومن غيره لكانت الفضائح اكبر والملفات اضخم.
واعتبارا لما سبق، فان السياسات المتبعة داخل افريقيا الجنوبية تظل في نسق النيوليبرالية الاكثر وحشية، وهو ما اظهرته ازمة الكهرباء مؤخرا، و تعيد انتاج ابارتهيد جديد يقوم على نوع من الاندماج المصلحي بين الاغنياء السود المحدثين وبين جمهورتي البيض المنفصلتين الذي تشكل على اثره مجمع الثراء الفاحش المعزول وسط محيط شاسع من الفقر والحرمان والجريمة وانعدام الامن، ولعل جوهانسبورغ، الصناعية، من اكثر مدن جنوب افريقيا تجسيدا لهذا الانقسام الحاد ولانعكاساته، التي تندرج ضمنها عنصرية بغيضة داخلية، واتجاه المهاجرين، وعلى راسهم المهاجرين النيجريين الذين يشكلون كتلة كبيرة من اليد العاملة الرخيصة المستخدمة في الانشطة التعدينية والفلاحية والبناء و بعض الخدمات، كالنظافة.
وامتدادا لما سبق ذكره، فان حكام جنوب افريقيا يشكلون اليوم جسرا لمصالح البيض والاغنياء المحدثين في افريقيا التي ينتشرون في جنوبها على الخصوص، و يعملون على فرض سيطرتهم عليه بشكل كامل، مركزين على قطاعات بعينها، وعلى راسها التعدين واستخراج المعادن النفيسة، لا تنتج قيمة مضافة في البلدان المستغلة و لا تساهم في الدفع بنموها او المساهمة في تحديث اقتصاياتها، وهذا موضوع شائك وطويل لا يتسع له هذا الحيز.
و اعتبارا لنظرة موروثة عن فترة الابارتهيد، فان جنوب افريقيا، حتى لما انتقلت الى المرتبة الثانية من حيث الناتج الداخلي الخام بعد تبوا نجيريا للمرتبة الاولى عقب اعادة تقييم ثروتها ومراجعة محاسبتها الوطنية، تظل حريصة على ان تكون لها الصدارة والقيادة افريقيا، وهذا مايقودها الى اعتبار شمال افريقيا ككل منافسا قادرا، الى جانب نجيريا وبلدان افريقية تتجه نحو الصعود، على منافستها و السعي الى انتزاع موقعها، وهذا ما لايفهمه الاغبياء المتحكمون في الجزائر الشقيقة الذين اسلموا الامر لجنوب افريقيا وصاروا اداة في خدمة استراتيجيتها القارية بعمى لا مثيل له في اي دولة ماضيا وحاضرا، لمجرد ان جنوب افريقيا تتبنى معهم الجبهة الانفصالية، بحساباتها الخاصة القارية والجيوسياسية، و تمد لهم يد العون في المنتظمات القارية والدولية، كما حدث عندما تولت ايصال رسالتهم الموقعة من طرف رئيس البوليساريو المعين الى الامين العام للامم المتحدة وغيره، وكما يحدث بقيام جنوب افريقيا بمحاولة اخيرة للحيلولة دون مراجعة ميثاق الاتحاد الافريقي التي تفتح الباب لطرد جمهورية وهمية تم اقحامها بالرشوة والفساد، حيث تنوب عن الفاشلين الذين باتوا اضحوكة افريقيا والعرب والعالم بحماقات زادها الحقد الاعمى والشعور بالفشل والخوف من المستقبل تفاقما واستفحالا.
و لا يغيب عن اي متتبع للشان الافريقي والعالمي يمتلك معلومات ضئيلة ان جنوب افريقيا تستهدف المغرب ومصر الصاعدين في الشمال الافريقي، كما تستهدف دول اخرى في غرب القارة الافريقيه، ليس لانها مرتبطة بتحالف مع الجزائر، او حتى لان الجزائر توزع الرشاوي بسخاء المجنون على من يعادي المغرب، بل لانها تنطلق من حساب المصالح والنفوذ القاري و محاولة اضعاف المنافسين الحاليين والمحتملين، و الجبهة الانفصالية والجزائر يبدوان كما لو انهما عطاء من السماء نظرا لكونهما يوجدان في شمال افريقيا و يمكن تشغيلهما لاضعاف الشمال الافريقي ككل و توجيه الاستثمار والتجارة الدوليين والتنمية و مختلف المعاملات نحو جنوب افريقيا تحديدا وليس الى جنوب القارة ككل، حيث تتصرف جنوب افريقيا هناك كقوة استعمارية وليس كجسر لنقل التنمية.