المبارك الگنوني
يعد الحسن المراكشي في طليعة العلماء الذين أبدعوا في الجغرافية الفلكية، وجه من الوجوه البارزة في الرياضيات والرصد،وعلم الميقات. أتمنى صادقا أن أكون قد وجهت إليه العناية التي يستحق، وأنصفته بهذه المقالة المختصرة من الزمان الذي أسدل عليه ستار النسيان والإهمال… وما أكثر من هم بحاجة إلى ذلك من علمائنا وأدبائنا من مختلف مناطق المغرب العظيم . اعتمدت في هذه التدوينة على المراجع التالية:مقال طويل للدكتورزهير حميدان، حاجي خليفة، كشف الظنون .قدري طوقان، تاريخ العرب في الرياضيات والفلك .عمر فروخ، تاريخ العلوم عند العرب .
هو أبو علي الحسن بن علي بن عمر المراكشي، من علماء المغرب، عاش في عصر دولة الموحدين في النصف الأول من القرن السابع الهجري / منتصف السنة 13م وتوفي سنة 660 هـ / 1262م وقد اشتهر المراكشي في الفلك، والرياضيات، والجغرافيا، وصناعة الساعات الشمسية. ولقب بالمراكشي نسبة إلى مسقط رأسه في مراكش.
رياضي بارع، وجغرافي مبدع، وفلكي راصد، اشتهر في علم الميقات، وصناعة الساعات الشمسية، وكان من أبرز الموقتين في عصره. درس الحسن المراكشي واعتمد واطلع على ما كتبه العالم اليوناني بطلميوس وما ورد في كتابه «المجسطي» في علمي الجغرافية والفلك، ولم يكتف بذلك بل نقده وصحح بعض أفكاره. ووضع خريطة جديدة للمغرب العربي، وصحح ما ورد من أخطاء بعض الجغرافيين القدامى، ولاسيما الخريطة التي رسمها بطلميوس.ثم وضع تقديراً جديداً وصحيحاً لطول البحر المتوسط وقدره (24 درجة مئوية) بخلاف ما كان تقدير بطلميوس المقدر بـ ( 26 درجة مئوية) وتقدير بعض الجغرافيين العرب.
درس الحسن المراكشي ما أبدعه العلماء العرب في الرياضيات والفلك، واعتمد على بعض أفكارهم، كان في طليعتهم الخوارزمي محمد بن موسى (ت 232هـ) فقد اطلع على إبداعاته في الرياضيات. كما تأثر بما كتبه البتاني محمد بن جابر بن سنان الحراني (ت 371هـ)، وأبو الوفاء البوزجاني محمد بن محمد ابن يحيى ( ت 388هـ ) في الرياضيات والفلك، كما اطلع على منجزات بعض العلماء العرب بالأندلس في الرياضيات والفلك كان في طليعتهم أبو إسحاق النقاش الزرقاني إبراهيم بن يحيى (ت 493هـ) وجابر بن أفلح الأندلسي الرياضي (ت540هـ). تأثر كثيراً بإبداعات البيروني محمد بن أحمد (ت نحو 440هـ) ولاسيما في الجغرافية والفلك وحركة الكرة السماوية.
يعد الحسن المراكشي في طليعة العلماء الذين أبدعوا في الجغرافية الفلكية، إذ ابتكروا الخطوط الدالة على الساعات المتساوية على الخريطة، التي تعرف بخطوط الطول. وكذلك يعد أول من استعملها في رسم الخرائط. يقول المستشرق (سيديو) في كتابه «خلاصة تاريخ العرب»: «أبو علي الحسن المهندس الفلكي، له رسالة «جامع المبادئ والغايات في علم الميقات» أول من استعمل بها الخطوط الدالة على الساعات المتساوية، فإن اليونان لم يستعملوها وقد فصل صناعة الخطوط الدالة على الساعات الزمانية المسماة أيضاً بالساعات القديمة المتفاضلة، واستعمل خواص القطوع المخروطية في وصف أقٌواس البروج الفلكية. وحسب خطوط المعادلة، ومحاور تلك المنحنيات لمعرفة محل الشمس وانحرافها، وارتفاع الربع الميقاتي . له بحوث في المثلثات مع إدخال عدد من التجديدات عليها. فقد أدخل فيها الجيب، وجيب التمام، والسهم. وعمل أيضاً الجداول للجيب، كما جاء بحلول لبعض المسائل الفلكية. وقدم تفصيلات عن أكثر من 240 نجماً لسنة 622هـ. وهو أول من استعمل الخطوط الدالة على الساعات المتساوية. إضافةً إلى ذلك، قام المراكشي بإدخال تصحيحات جغرافية مهمة، وجدد في رسم خريطة المغرب.يذكر جورج سارتن الذي يُعد مؤسس علم تأريخ العلوم في كتابه «مدخل إلى تاريخ العلوم» (1927) بأن الحسن المراكشي هو مكتشف العلاقة الرياضية الرابطة بين جيب الزاوية والمتتمة لـ 90°.
له كتاب وصف الكون عالج فيه التوقيت وفن صناعة الساعات الشمسية أي المزاول، وصنع أجهزة الرصد وطريقة العمل بها، إلى جانب جداول العرض والطول لمائة وخمسة وثلاثين موضعا جغرافيا. كما تنسب إليه بحوث في المثلثات، هذا الفرع الرياضي الذي جعل منه علماء المسلمين مجالا علميا متطورا تجتمع فيه المعالجة الرياضية بالبحث الفلكي
“جامع المبادئ والغايات في علم الميقات” بهذا الكتاب اشتهر المراكشي بين علماء الغرب واعتبروه من أعظم فلكيي الأمازيغ والمسلمين. واعتبره حاجي خليفة الكتاب أعظم ما صنف في هذا الفن، وقال إنه مرتب على أربعة فنون، هي الحساب، ووضع الآلات، والعمل بالآلات، ومطارحات تحصل بها الدراية والقوة على الاستنباط؛ وهو يشتمل على بعض المسائل في الجبر والمقابلة. أما سارطون فيقول عنه إنه من أحسن الكتب وفيه بحوث نفيسة في المثلثات والساعات الشمسية المتنوعة. وقد ترجمه إمانويل سيديو، ونشر ابنه لويس أميلي سيديو هذه الترجمة 1836-1834، ونشر المستشرق كارادي فو فصلاً منه يتعلق بالاسطرلاب، وكذلك ذكره المستشرق سارتون في كتابه «تاريخ العلوم» الذي حققه محمد سويسي معتمداً على نسخة وحيدة وجدها في مكتبة باريس الوطنية.مخطوطات هذا الكتاب موجودة في مكتبات: جامعة اصطنبول، ومشهد في إيران والمتحف البريطاني في لندن، والمكتبة الوطنية في باريس. ترجمه المستشرق سيديو ونشره ابنه من بعده.كما توجد نسخة من الكتاب في دار الكتب الظاهربية برقم 7641 ويحتوي على مقدمة وعشرة فصول.