أصدر المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بيانا حول تصريح وزير العدل بشأن مسؤولية المجتمع المدني في إبلاغ النيابة العامة عن شبهة الاختلاس و دوره في حماية المال العام، جاء فيه : ” جرت العادة أن تتابع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بانشغال كبير، مسارات السياسات العمومية وأن تقوم بتقييم نجاعتها و مدى أخذها بالمقاربة الحقوقية و قياس درجة انسجامها مع القوانين الوطنية و التصريحات الحكومية والالتزامات الأممية. كما تراقب باستمرار، مثلها مثل العديد من المنظمات ، كل ما يتعلق بتدبير المال العام و رصد شبوهات الاختلاس و سوء التدبير ” .
و اوضح البيان الحقوقي أنه ” إن كان الواجب و المسؤولية يحتمان أن يقوم المجتمع المدني بأدواره في المشاركة في وضع المخططات و البرامج، ويقتضيان تتبعها و تقييمها و مراقبة تنفيذها، فان مضمون تصريح وزير العدل أمام البرلمان، بشأن حق المنظمات المدنية في إبلاغ النيابة العامة بشبهات الفساد التي قد تطال الأموال العمومية، يعتبر دعوة للإجهاز على دور المجتمع المدني في هذا المجال و خطوة رسمية في اتجاه المنع من التبليغ عن الجرائم المالية و مقدمة لتقنين الحرمان من حق التقاضي والانتصاف و تضييق الخناق على المكونات المدنية والقوى المناضلة المهتمة بالشأن العام، و مقدمة رسمية لإقرار حماية الفساد والمفسدين والتستر عنهم.
و لهذه الأسباب فان المكتب المركزي يعتبر عرض السيد الوزير:
إخلالا باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الصادرة في الجريدة الرسمية عدد 5596 بتاريخ 17 يناير 2008 التي دعت في مادتها 13 الدول الأطراف إلى اتخاذ التدابير المناسبة “لتشجيع المجتمع الأهلي و المنظمات غير الحكومية و منظمات المجتمع المحلي، على المشاركة النشطة في منع الفساد و محاربته و لإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد و أسبابه و جسامته و ما يمثله من خطر”،
خذلانا للتوصيات، ذات الصلة، المنبثقة عن مؤتمرات الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المنشأة بموجب المادة (63) من هذه الاتفاقية، و نذكر منها تلك الصادرة من الدورة الرابعة التي استضافها المغرب بمراكش من 24 الى 28 اكتوبر 2011، تحت شعار” لضمان تنمية اقتصادية وبشرية مستدامة. لنكن جميعا طرفا في الحل بمحاربة الرشوة”. و قد توجت هذه الدورة بإصدار إعلان دعا، من بين توصياته، إلى ” تشجيع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في منع الفساد ومكافحته”،
انتهاكا صريحا لدباجة الدستور التي نصت على ” بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق و القانون،….، مرتكزاتها المشاركة و التعددية و الحكامة الجيدة…”،
تجاوزا للفقرة الثالثة من الفصل الثاني عشر (12) التي تنص على “أن تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام ، و المنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد القرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة و السلطات العمومية، و كدا في تفعيلها و تقييمها” تجاهلا للفصل 13 الذي أكد على أن “تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها …” ،
خرقا للفصل 118 الذي يضمن “التقاضي لكل شخص للدفاع عن مصالحه التي يحميها القانون”. و بما أن الحفاظ على المال العام يندرج ضمن مصالح المواطنين و المواطنات ، و حيث أن الشخص يمكن أن يكون ذاتيا أو معنويا، فان المنظمات المدنية، سواء الحقوقية أو المختصة في مجال حماية المال العام، مشمولة بأحكام هذا الفصل الذي يبيح لها اللجوء إلى القضاء،
شرودا عن التصريح الحكومي و تملصا من مضامينه و خاصة ما جاء في محوره الخاص ب ” تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته “، حيث أكد على أن تسهر الحكومة على أهمية و ضرورة ” احترام الحريات وحقوق الإنسان و الحكامة الجيدة و الديموقراطية التشاركية والشفافية ومحاربة الفساد”،
إنكارا لمضامين “الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد”، التي جعلت من سنة 2025 أفقا “لتوطيد النزاهة والحد من الفساد بالمغرب بشكل ملموس”، و أكدت على النزاهة والشفافية و الحق في الولوج الى المعلومات و تعزيز الرقابة و المساءلة. كما حثت على تقويت المتابعة و الزجر “بتوسيع وتجويد آليات الإبلاغ و النشر في مجال مكافحة الفساد”، و تعزيز التواصل و التحسيس اتجاه القطاع الخاص و المجتمع المدني بخصوص مواضيع مكافحة الفساد”،
وأضاف البيان ذاته، انه ” يبدو إذن، أن وزير العدل ، من خلال تصريحه، قطع الاتصال ( déconnecté ) مع المرجعية الأممية ذات الصلة و ما تفرضه من التزامات على المغرب و ضرب بكل القوانين المغربية عرض الحائط ، و عوض أن يناصر المنظمات المدنية ويعزز دورها في المراقبة و فضح ناهبي المال العام، اختار أسلوب التهديد و التحريض و اجتهد في تعبئة المؤسسة التشريعية لإبعاد المنظمات المدنية من دورها في محاربة الفساد عبر آليات التبليغ و التقاضي.
وإذ يؤكد المكتب المركزي على أن محاربة الفساد المالي يندرج ضمن الانشغالات الأساسية للجمعية والحركة الحقوقية والمجتمعية :
يطالب بجعله أولوية لذى الحكومة لان مظاهر الفساد وتلاشي النزاهة والشفافية معاكس لتطلعات الشعب المغربي ، و تعيق التطور وإعمال الحق في التنمية والتمتع بالحقوق وفي مقدمتها تلك ذات الصبغة الاجتماعية التي بلغت مستويات خطيرة من الانحدار والتدني،
يسجل ان المنهجية المعتمدة حاليا لا تحترم المبادئ الأساسية للديمقراطية والتي تسند في مجال التشريع على المقاربة التشاركية والاشراك والانفتاح والنقاش العمومي العلني الموسع،
يستنكر بشدة تصريحات السيد وزير العدل و يتخوف من أن تكون استهلالا لتضمين القانون الجنائي المنتظر نصوصا تمنع المجتمع المدني من تقديم الشكايات و من حقه في الترافع على محاربة الفساد، الأمر الذي من شأنه أن يقلص شروط المحاكمة العادلة والمس باختصاصات السلطة القضائية وإقبار احد ادوار المجتمع المدني،
يستغرب لتلك التصريحات التي يمكن إدراجها كمقدمة لحماية المفسدين والفساد والتستر على حجم الفساد المسترشي باعتراف هيئات الحكامة الرسمية ودعم سياسة الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية والاجتماعية وتشجيعا لاستباحة المال والملك العموميين والاغتناء غير المشروع خاصة من طرف المنتخبين و من شأن تنزيلها المساس بالمبلغين عن الفساد سواء مواطنين أو هيئات، وتقويض ما ذهبت من اجراءات النيابة العامة بإحداث رقم هاتفي أخضر للتعليم عن الفساد.
يؤكد على ضرورة اعمال الحق في المشاركة وتوسيع دائرة بيكار المشاورات مع الهيئات الحقوقية والمختصين فيما يخص مجال مشاريع القوانين ومقترحات القوانين خاصة تلك التي تهم الحقوق والحريات الأساسية.
يجدد مطلبه القاضي بوضع مدونة للقانون الجنائي تقطع مع التعديلات المجزأة والمبثورة ، وذلك بإحداث تغيير جدري شامل لقانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، وجعلهما ينسجمان والمعايير الدولية المعمول بها، على قاعدة ملائمتهما مع المواثيق الدولية ذات الصلة والانفتاح على القوانين المقارنة المتقدمة في مجال العدالة الجنائية.
يطالب بوضع مخطط تشريع واضح، وتشجيع مقترحات القوانين وعدم الارتكاز فقط على مشاريع القوانين التي تتمتع حاليا بالهيمنة والأسبقية في المجال التشريعي على حساب مقترحات القوانين.
يرفض بشكل قطعي توفير اية حماية سياسية أو قانونية للمفسدين والفساد ، ويدعو إلى تفاعل النيابة العامة مع الشكايات والمناشدات والطلبات التي تعرضها الحركة الحقوق على أنظارها ، وذلك بفتح التحقيقات بشأنها وترتيب الآثار القانونية عن ذلك ، بدل تجاهلها أو حفظها، والحرص على حماية المدافعين عن حقوق الإنسان وكل المبلغين عن الفساد .
يستغرب سحب العديد من مشاريع القوانين دون تعليل مقنع ، وسعي الجهاز التنفيذي لتقديم مشاريع جديدة ، في غياب المنهجية التشاركية ، وفتح مجالات التداول والنقاش وإشراك المكونات الحقوقية والمختصين لتجويد المشاريع والارتقاء بها ،وجعلها ملائمة مع التزامات الدولة و الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان