السيد المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، الجمعية (Amdh) ليست حائطا قصيرا
* عمر أربيب
السيد المندوب الوزاري كعادته يختفي حينما يتعلق الامر بالنقاش العمومي بقضايا حقوق الانسان، هذا المسؤول الحكومي لم نسمعه ينبس بكلمة واحدة قبل عرض الدولة لتقريرها أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل ل خلال الدورة الأخيرة للمجلس الدولي لحقوق الإنسان المنعقدة بجنيف خلال شهر نونبر الجاري. لم نسمعه يعلق على التوصيات ولا حتى الملاحظات ، بلع لسانه في التعاطي مع التقارير الموازية ومن ضمنها تقارير الجمعية المغربية لحقوق الانسان حول: الاستعراض الدوري الشامل، والتقرير الموازي حول سيداو ، والتقرير الموازي حول حماية الأشخاص من الاختفاء القسري.
هذا المسؤول الحكومي الذي يدبر ويسير القطاع الحكومي المعني بحقوق الإنسان، لم نسمع عنه أي ترافع حول الملفات الحقوقية أمام البرلمان بغرفتيه أو أمام المنظمات والهيئات الدولية التعاهدية وغير التعاهدية ، ولم نقرأ له تقريرا يستجمع فيه مقاربات الوزارات في مجال حقوق الإنسان وهو المخول له كمندوب يشرف على المندوبية الوزارية على حقوق الإنسان هذه المهمة.
السيد المندوب الوزاري لا يستطيع حتى تنزيل والعمل بما يخوله له المرسوم الخاص بالمندوبية ، وبالتالي فقد اوكل لنفسه مهمة وحيدة هي الاطلاع على تقارير المنظمات الحكومية الدولية والوطنية وحتى بلاغات وبيانات بعض الجمعيات كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان للرد عليها ومحاولة شيطنتها واللعب بالكلمات واستعمال قاموس تخويفي وتخويني واحيان التستر خلف النيابة العامة والسلطة القضائية والعزف على وتر التهديد .
ولانه يعرف ان لغة التهديد والتخويف والدفع في الابتعاد عن السياسة وخاصة خطاب المعارضة أصبحت عملة رائجة في زمن التراجعات التي يشهدها الواقع الحقوقي ، ولانه يعي أن الحديث في السياسة من موقع النقد والمطالبة بالمحاسبة اصبح غير مسموح به في ظل أزمة الديمقراطية المحجوزة والاجهاز على الحريات الأساسية.
ولأن السيد المندوب الوزاري اصبح تلميذا مجتهدا ليس فقط في تبييض وجه الدولة في مجال انتهاكات حقوق الانسان بل متخصصا في في إبداع مفاهيم خارجة عن النسق واللغة المعياريرية المتداولة في الحقل الحقوقي ، واعتماده على قاموس لغوي وجهاز مفاهيمي ينهل من ثقافة المخزن ويستحضر عن ظهر قلب ألفاظ البصراوية. فإنه لا يتورع ان يجدد خرجاته الإعلامية إلا للتهجم على الجمعية المغربية لحقوق الانسان التي يبدو أنها شوكة في حلقه وقد ضاق صدره بوجودها .
اقول للسيد المندوب الوزاري اذا كانت رغبته وغايتك إسكات وخنق الأصوات الحرة ، وإذا كانت مهمتك تكبيل وتجريم حرية الرأي والتعبير ، وخنق عمل الجمعية وجعلها تنئى بنفسها عن متابعة وفضح انتهاكات حقوق الانسان والترافع من أجل وضع حد لها بكل الوسائل المشروعة ، فإن ذلك لا يتم بواسطة اسلوبك الحالي والذي تكرره على مسامعنا كلما رغبت في الظهور الاستعراضي ، ولا بلغتك السياسية المستعارة من قاموس التخويف والترهيب الفكري .
وأود ان اذكرك ان الجمعية ليس إطارا معارضا للدولة بالمعنى السياسي للمفهوم ، ولكنها هيئة لها مقاربتها الحقوقية تختلف عن مقاربة الدولة ، إن الجمعية تتخذ مواقفها مما تفرض عليها مرجعيتها الكونية والشمولية لحقوق الانسان، ومما يفرض في كثير من الأحيان القانون المحلي ، فالدولة لا تقف عند انتهاك التزاماتها الدولية فقط بل تتعاداها إلى الوقوف والتهجج بانتهاك حرمة القانون الذي وضعته الدولة نفسها وما عليك السيد المندوب الوزاري إلى النظر في حجم القضايا المرفوعة للطعن في قرارات ادارية أو تلك المرفوعة ضد الدولة ، وما عليك إلا النظر في حجم الاحتجاجات ضد سياسات الدولة وحجم المطالب التي يرفعها المواطنون والمواطنات في القرى والمداشر والمدن وهوامشها ، مواطنين من كل الأعمار ومن فئات اجتماعية مختلفة تطالب بالمساواة أمام القانون و باحترام حقوقها وتطبيق القانون بعلاتها .
اعرف السيد الوزير أن حقوق الإنسان بالنسبة لك لا تتجاوز بعض الحقوق فقط وتختزلها في شق ضيق يمكنك من التفوه ودبلجة عبارات الراديكالية، العدمية ، المعارضة و….. في حين أن حقوق الإنسان أرحب واعمق مما تتصور ، وأن اعتمادها في كليتها وشموليتها في خطاب وممارسة الجمعية يجعلك ومندوبيتك غير قادرين على المسايرة وإنجاز المطلوب منكم حسب المرسوم الذي يحدد مهامهم لذا فإن ترديد خطاب وتكراره مرات عديدة اصبح هو الرد الذي تحاولون من خلال إيهام الرأي العام بمفرداتكم العجيبة المستوردة من الشعارات حتى لا اقول الخطاب السياسي.
السيد المندوب الوزاري ، ما موقف مندوبيتكم وما ذا قدمت في مجال حقوق المرأة والنقاش حول مدونة الأسرة، ما هي مقاربتكم للتعاطي مع حقوق الطفل في ظل تنامي الاغتصابات والاستغلال الجنسي ومآسي الطفولة في وضعية صعبة أو في نزاع مع القانون؟ كيف تساهمون في معالجة اشكاليات الهجرة واللجوء باعتبارها إلى جانب الاحتباس الحراري وقضايا المناخ من القضايا الأكثر إثارة ونقاش وتجاذبا ؟ وهل المغرب لا يعرف أزمة حقيقية نتيجة تداعيات الوباء والحرب ، ام ان الاجهاز على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية ليس من صلب اهتماماتك حتى تخرج علينا بخطابك حول ما تسميه معارضة ؟
السيد المندوب الوزاري لا اتفق مع التدبير الحالي للحكومة في قضايا اعمال وضمان الحقوق في كل ابعادها ، وقد اكون اشد انتقادا للسياسات العمومية ، وقد اصف الحكومة بالعجز البنيوي والفاشلة ، ولكني على أقل المس في العديد من الوزراء الاقرار بالازمة وفي التشخيص والذي غالبا لا يختلف عن تشخيص باقي الفاعلين ، لكني احملهم المسؤولية في عدم الوفاء بالالتزامات واحترام الحقوق الأساسية، فوزير التعليم مثلا يقر بفشل المنظومة التعليمية وعدم ضمان حق التمدرس للجميع ورغم ذلك لا أشاطره الرأي في المخرجات والحلول ، واعتبره مسؤولا عن إهدار الحق ، ووزير العدل ووزارة التضامن والأسرة وغيرهم يقرون بقصور مدونة الأسرة في معالجة قضايا الأسرة، لكننا نذهب ابعد من ذلك ونؤكد انها مدونة لم ترق للمستوى المطلوب لضمان حقوق المرأة لكن نحترم على الاقل شجاعة الاقرار بالعجز وأن كنا نختلف في المآل والحلول التشريعية والعملية . كما أن المندوبية السامية للتخطيط تطالعنا احيانا بمعطيات تكشف حجم البؤس والفقر والخصاص الاجتماعي الذي نال من المواطنات والمواطنين مبلغا يتجاوز التحمل. الا انه الملاحظ انك الوحيد الأوحد الذي يعتبر أننا نعيش في جنة الديمقراطية وبحبوحة النعيم بتوفر كافة الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وشغل ومستوى معيشي يتجاوز اللائق إلى الترف، ، ونعيش في زمن حرية الرأي والتعبير والحق في التنظيم والتنقل والحق في التظاهر دون منع أو تضييق والحق في حرية المعتقد والضمير والوجدان. وانك تعتبر ان من ينغص علينا حياة الحرية والعدالة والكرامة والمساواة والحماية الاجتماعية التي تصل إلى حد دولة الرفاهية ، هو عدمية ومعارضة الجمعية المغربية لحقوق الانسان.
واخيرا اقول لك السيد المندوب الوزاري ابحث عن مشجب لتعلق عليه فشلك ، وأننا لن لن صمت عن انتهاكات حقوق الانسان ولن نتخلى عن القيام بمهامنا ، وسنستمر في فضح كل الخروقات أيا كان مصدرها دون مزايدات ولا تحجيم أو تضخيم ، ولن نفتري أو نكذب على اي مسؤول أو أي جهاز أو اية مؤسسة، وأننا أوفياء لمنطق الرصد والتحري رغم ضعف المعلومة أو حجزها تعسفيا رغم انها حق من حقوق الانسان ، وإذا ضاق صدرك السيد المندوب بالجمعية ومقاربتها وهذا قائم ولا جدال فيه ، فما عليك سوى حجبها بالطرق القانونية ان اسعفتك وسايرتك في ذلك ، أما لجوءك لخطابات التحريض والتجييش السياسي بالتخويف فلن تصمد أمام الحقائق وسرعان يبددها الواقع الذي لا يرتفع .
ولنفرض جدلا السيد المندوب ان الظروف الحالية قد تشجعك على الهجوم وحتى النيل من الجمعية ، فإن التاريخ كما سجل صمودها في عز القمع الأسود إلى مرحلة النهوض ، سيسجل صودها واستمراريها بشكل اقوى بفضل مناضلاتها ومناضليها، كما سيحتفظ التاريخ في سجله الأسود باسمك كما يحتفظ الان بأسماء البصري واوفقير وحصاد.
فمرحبا بما ستقوم به السيد المندوب الوزاري لحقوق الإنسان ضد المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان والجمعية ، ولا أهلا ولا سهلا بخطابك .
* مناضل في صفوف AMDH