في مدينة مراكش، لا يُذكر نادي الكوكب المراكشي دون أن يُذكر معه اسم ملعب الحارثي ، هذا الفضاء الذي احتضن لعقود لحظات المجد والانكسار، وصيحات جمهور عشق الكوكب حتى النخاع. ظل ملعب الحارثي رمزاً للهوية الرياضية المراكشية، وذاكرةً حيةً لجماهير لا تزال تحلم بعودة الفريق إلى مجده الضائع.
غير أن هذه المعلمة التاريخية لم تسلم من محاولات الاستغلال السياسي، حيث وجد فيها البعض من السياسيين فرصة للركوب على مشاعر الجماهير وادعاء الدفاع عن إرث لم يسهموا يوماً في صونه. والواقع أن من يزايد اليوم باسم ملعب الحارثي قد أغفل – أو تغافل – أن الأمر محسوم إدارياً وقانونياً منذ مدة.
فقد صادق مجلس مقاطعة جليز على تعديل تصميم التهيئة القطاعي لجليز الشرقي، وذلك بعد اقتراح قُدم من طرف مدير الوكالة الحضرية ومكتب الدراسات، خلال اجتماعين انعقدا يومي الاثنين 20 مارس والثلاثاء 28 مارس 2023، وتمت الموافقة خلالهما على مجموعة من التغييرات التي شملت، من بينها، تغيير تصنيف ملعب الحارثي من “مرفق رياضي” إلى “مرفق عمومي”. وهو ما تم اعتماده رسميًا في تصميم التهيئة بتاريخ 3 أبريل 2023.
وهنا يُطرح السؤال بحدة: هل يعلم السياسيون بهذا التغيير أم يتجاهلونه عن قصد؟
من المفروض أنهم يعلمون، لأن التغيير تم بمساطر واضحة في مؤسسات هم جزء منها، أو على الأقل لديهم تمثيلية فيها. وإن لم يكونوا على علم، فتلك مصيبة تدل على غياب التتبع والتقصير في أداء المهام. أما إن كانوا يعلمون ويتجاهلون، فالمصيبة أعظم، لأنها تكشف بوضوح عن نوايا استغلال ذاكرة المدينة ووجدان جمهورها لأغراض سياسوية ضيقة.
إن المؤلم في هذا المسلسل ليس فقط التخلي عن ملعب الحارثي كفضاء رياضي، بل الأشدّ إيلاماً هو استخدام اسمه اليوم كورقة انتخابية، تُستغل في لحظة فراغ وشعبوية، بينما الواقع الرياضي بالمدينة – والكوكب المراكشي تحديدًا – يعيش وضعًا مأساويًا لا تُجدي معه الشعارات ولا المزايدات.
ملعب الحارثي، بكل ما يحمله من تاريخ ووجدان، لا يستحق أن يُختزل في جدالات سياسوية ضيقة. من يُرد فعلاً الدفاع عن المدينة، فليبدأ من العمل الجاد لإنقاذ الكوكب المراكشي، وإعادة الروح إلى الرياضة المراكشية، لا أن يقتات من رماد الماضي ويتاجر بذكرياته.