عبد الواحد الطالبي
يواجه مرتفقو إدارة التربية والتكوين في مراكش من العاملين وأولياء التلامذة وعموم المواطنين، مرفقا إداريا يؤكد واقع بؤس التعليم ويبعث الاشمئزاز في النفوس ويثير التقزز لكأنما هذه الإدارة رسم دارس أو هي طلل من آثار الدمن.
لا ما يشي في المديرية الإقليمية للتربية الوطنية أن الحياة دبيبة والروح حية وسط هواء خانق يقطع الأنفاس بنتانة الرائحة المنبعثة من مراحيض ضيقة كضيق الأرزاق، مفتوحة في وجه مكاتب تضغط على سكانها بازدحام الأجساد والدواليب والملفات وركام الأوراق التي لا تجد متسعا لتصريفها في الأعمال الموجهة إليها.
وحدها فناءات البنايتين بين أعمدة السواري على مساحة مربعة بلا أفق، تتيح كوة ضوء باهت في عتمة زمن لا مستقبل له، يطل على نساء ورجال التربية والتكوين بجدران تلطخت بقوائم المرشحين للترقية وصارت أثار اللصق على الحيطان كالبصق في الوجوه، كما تعالى الهمس على شفاه المشرئبين بالأعناق يبحثون عن أسمائهم، يملأ شقوق المكان بالصخب ومنه أثر لدى الموظفين بالضجر.
وتحولت حديقة المديرية الإقليمية إلى أرض يباب، تكفن فيها النسل بالشح الذي طال كل شيء وغل الحركة وحنط الأجساد التي بدت على المقاعد من وراء المكاتب مثل اللحود، فلا حبر في دواة ولا اجتهاد ولا نص في قضية ولا حكم في ملف ولا مسؤول رشيد له القول والفصل…
ليس إلا خيالات الظلال تتراءى وتتقاذفها الممرات كما يتقاذف موج المكاره بأيام التعساء…كل مسؤول في مكتبه تحيط به سيئة الخصاص من وسائل العمل والأدوات اللازمة لديمومة المرفق…ولا يد تطول ما تطلب سوى بالتماس الصدقة كما لو تتسول على النواصي.
وما أوهن كل مرفق يسوسه غير الأهل البخيل، المقتر حتى على نفسه والذي لو استطاع لتقتيره لتنفس من منخر واحد، ذاك الذي يحوز في المديرية الاقليمية للتربية الوطنية آلاف السبورات اللوحية وقطع دراعه أن يأتي بواحدة مبطنة بإسفنج وثوب يبث -للإعلام والاطلاع ولكل غاية مفيدة- عددا منها في زوايا المكان وكل الأركان ينشر من عليها ما يحتاج للنشر والترويج والتداول.
وجعل المسؤول المالي يده مغلولة الى عنقه أن يبسطها لرعاية الحديقة التي كانت ذات زمان أفنانا قبل ان يطالها الإهمال من كل جانب، وما عاد ما يذكر من تاريخها غير ما يتبقى من ندوب بعد نزع الوشم من على وجه جميل.
ولئن نكر جاحد حضيض التعليم فإن المديرية الإقليمية للتربية والتعليم في مراكش ثمثُل شاهدا وتنتصب عمرانا يغني به الحال عن كل سؤال…!!