الحجاج في زمن الإرتجاج (1)
الإرتجاج إختلال في التوازن لمحاولة بناء تعليل وتقديم دليل ليضحد ادعاءات غير قادرة على الصمود أمام وقائع متبثة ومحسومة، فهو يستهدف الرأس فيصيب مركز التفكير فتعتل البرهنة ويخفت ضوء الباطل الذي يأتي دائما مرفوقا بصخب وضوضاء فلاتسعفه ويتوارى إلى الوراء ليفسح المجال للحقيقة لتنتصر، لأنها غير محتاجة لمن يسندها ، فهي الباقية في نهاية المطاف مهما حاول البعض طمس معالمها أو وأدها في مهدها ، هي لوحدها تمتلك قوة البقاء والصمود ، فالساذج المتهور من يحاول إيقافها او مواجهتها. فكأنما يعاكس تيارا جارفا لن يفلته مهما طال به الأمد ،أو أغوته إغراءات عابرة.
كل منافحة في وضعية ارتجاج إنما هي خلط منهجي غير واضح من أجل إحلال الغبش والغموض مكان الوضوح ،فلا يجنح لهذه الطريقة سوى ضعاف النفس غير القادرين على المواجهة أو لنقل من خانتهم قواهم في لحظة المرافعة وبناء القرار.
حين تبرز الخلافات متأخرة عن زمنها الحقيقي بعد الحسم وتأتي خارج سياقها العادي والطبيعي ،أعتبرها شخصيا وحسب قناعتي تصفية حسابات ليس إلا، إنها مناورة متأخرة تعيش نفسها الأخير قبل موتها ، لأنها تعيد للأذهان وهي تعري وتفضح كل الصور التي قبلها ، حين كانت كل الأطراف تجيد أدوارا وهي تجلس على مائدة واحدة تتبادل كلمات و ابتسامات ناقصة حتى لا أقول ماكرة ، في محطات ومواقع كثيرة تدفعنا نحو طمأنينة مغشوشة حتى لا أقول غادرة ، و تسائلنا جميعا. لماذا بقدرة قادر إنقلبت بسرعة وبشكل فجائي لدرجة التطرف فانزاحت عن خطها المبدئي كما كانت تدعي في السابق ؟
تحضرني في مثل هذه المواقع حين كنا في الصغر ، نحس بدنو الهزيمة فنخلط الأوراق حتى لاتظهر النتيجة ولكي لاتحسم للطرف الآخر ، في لعبة كانت بدايتها التسلية فتصبح في النهاية خصومة وقد تتطور لشجار .ترى ماالسبب وماهي الدواعي الحقيقية لهذا التقلب المزاجي الذي يغامر بمصير مؤسسة في سبيل بقاء تلك “الأنا ” النزقية الطائشة ؟
لن أكثر عليكم من الأسئلة لأن مهما حاولنا الإجابة عنها فهي واحدة من حالتين إثنثين فإما تربص و تواطؤ أو انتفاضة متأخرة وانقلاب معطوب وكلتا الحالتين لا يستطيع أحد تبرئتها. لأنني أعيد تشغيل الذاكرة وفي ترابط شديد ماقلته سابقا.وسأبقى منسجما مع دفوعاتي ومنطلقاتي للمؤسسة لاغير. لن أبيع الوهم. ولن أكثر سواد الظلام.
لماذا لم نسمع كل هذا الكلام ،وكل هذا الإحتجاج من قبل ؟
من يتكلم بعد ظهور وحسم النتيجة فقد أساء التقدير وسعى لنسف كل مقومات المؤسسة في نرجسية قل نظيرها وهو بهذا الفعل الشنيع الهدام كمن يخرق السفينة لإغراق أهلها وسكانها بشكل انتحاري ،
شخصيا كتاباتي دائما منحازة لهذه السفينة أي المؤسسة بغض النظر عمن يكون ربانها لأنني أحترم مخرجات قوانينها ومسار إبحارها ومن فوضته الشرعية ليكون ربانها. وعلينا جميعا من موقع المسؤولية التاريخية أن نساهم في دفعها للرسو في بر آمن دون أن ينازعها أحدا هذا الدور فنغرق جميعا. لكن هناك من انبرى للحجاج من أجل تشكيل رأي وقناعة ، ولكي تكون هذه العملية ناجعة وهادفة تؤدي دورها التأطيري. فشرطها الأساس أن تكون محايدة تحمل في ثناياها الموضوعية والشفافية لتحمي المؤسسة أكثر من الأشخاص .هنا يبرز في جميع الأطروحات التي في تنوعها واختلافها إغناء للذاكرة ورفعا للنقاش لمستويات أعلى دون المس بالأشخاص الذين يبقى دورهم ومكانتهم محفوظة والتقدير لهم معتبر وسيسجل التاريخ لكل منهم دوره.
إشكال منهجي علينا توضيحه بعدما أشرت لبعد الحيادية كمرتكز أساسي لا محيد عنه ، وهو أمر مهم في الفصل والحسم واستصدار القرار أو الدفع لتبنيه. لابد من طرح سؤال مرجعية الإستدلال من أجل بناء القرار فمن منطلق الأخذ بنص ونوعيته بشكل انتقائي مدبر بنوع من التدليس في الإختيار وترك نص آخر، يجعلني بين خيارين قد أزج بك في وضعية إدانة أو قد أبعدك لأحقق البراءة ،لكن تبقى البداية في المنهج محددة بشكل أساسي للنتائج. رواد تطويع القوانين بنوايا غير بريئة حين نتركهم يحتكرون شرعنة النصوص فإننا نضع أنفسنا في وضعية شبيهة كمن يسلم السلاح للعدو من أجل تصفيته.
(يتبع)
ذ ادريس المغلشي.