محمد نجيب كومينة
الحرب الجارية في اوكرانيا بين روسيا والغرب ليست بالخطورة التي تجعل الخوف على الحضارة الانسانية والوجود البشري، رغم ان الحرب الاعلامية الموازية تضخمها، اذ تبقى لحد الان حربا كلاسيكية الى حد ما لم يستخدم فيها اي طرف الاسلحة الاكثر تطورا وفتكا، ولم تصل بعد الى مواجهة مباشرة وصريحة بين روسيا والحلف الاطلسي،. ولم يتجاوز هذا الاخير الخطوط الحمراء التي يمكن ان تدفع بروسيا الى نقل الحرب الى خارج اوكرانيا، لكنا هذه الحرب تتطور بشكل يبعث على القلق ، لان الغرب لايريد ان يدع روسيا تحقق اهدافها المعلنة و تحقق ما ، سبق لها ان حققته في جورجيا و جزيرة القرم من جهة و لانه يرغب في استغلال الفرصة لضرب الاقتصاد الروسي ضربة قوية تجعل مستوى معيشة الروس يهبط و قدرة روسيا على العودة
الى نمو مرتفع منعدمة من جهة ثانية..
الاعلان عن طلب السويد وفنلندا رسميا الالتحاق بحلف الاطلسي يشير الى ان هذه الحرب تتمدد بدون استخدام السلاح لحد الان وان استفزاز بوتين انتقل من اوكرانيا في وسط اوروبا الى البلدين الاسكندنافيين في الشمال، ومعروف ان فنلندا كانت تابعة للامبراطورية الروسية ثم السوفياتية، وذلك لاثارة رد فعل اخر من شانه ان يجعل اوروبا وحلف الاطلسي يدخلان على خط الحرب التي يتبين ان بايدن هو من يدير فصولها. و هذا ما يبين ان الولايات المتحدة ترغب في كسر شوكة روسيا واضعاف قدراتها و لاتهتم باثار حرب اكثر اتساعا و اطول مدة و اكثر فتكا على القارة الاوروبية وعلى العالم الذي يواجه حاليا ازمة على مستوى سلاسل الامداد و تضخما متصاعدا، غير ناتج عن العرض والطلب او عن دورة جديدة لاسعار المواد الاولية …الخ، وخطر ركود طويل الامد .سيكون الخروج منه صعبا الى مستحيل بالنسبة للجميع.
في هذا الوقت ما احوجنا الى حكمة جون مينهارد كينز والى حكماء مثله، ليس لمواجهة العواقب الاقتصادية لما يجري، بل لقول ما يجب قوله من اجل وقف الميل الانتقامي و التطرف في الموقف السياسي. فقد كان كينز ممثلا للخزينة البريطانية ثم للوزارة الاولى لدى اجراء المفاوضات التي قادت الى اتفاقية فيرساي واستسلام المانيا بعد الحرب العالمية الاولى، لكنه اضطر الى تقديم استقالته كتعبير عن رفضه للشروط القاسية والانتقامية التي فرضت على الالمان و تشبتت بها فرنسا على الخصوص بنية افقار الالمان والمانيا وفرض الضعف الدائم والمهانة عليها، و مند ذلك الوقت نبه الى ان هذا السلوك مع الالمان ستكون نتيجته حربا جديدة افي اوروبا اكثر خطورة ودمارا وماساوية، وقد كتب انذاك كتابا من اهم كتبه التي لا يهتم بها كثير من الاقتصاديين .
كتاب كينز” النتائج الاقتصادية للسلم” لا يبين فقط القدرة الاشتشرافية للرجل، الذي انقذت نظريته النظام الراسمالي بعد ازمة 1929 الخطيرة و خففت من غلوه و حررته من منطق كل شئ للسوق وضمنت اعادة توزيع للمداخيل غير مسبوقة في ظل نمو دام لازيد من 30سنة، ، بل وايضا نزعته الانسانية و ميله الى السلم القائم على العدل. هذا الكتاب في تقديري له راهنيته سياسيا واخلاقيا، لانه ينبه بالضبط الى خطورة الذهاب بعيدا في منطق الانتقام وتدمير الخصم والسعي الى محاصرته واهانته واخضاعه ل”السلم القرطاجني” (محو الامبراطورية الرومانية لقرطاجنة من الوجود و تحويل ساكنتها الى عبيد)، لان من شان ذلك ان يخلق رد فعل ينبني هو كذلك على منطق الذهاب بعيدا في الدفاع ورد الاعتبار والانتقام من المنتقم، هذا ما اخرج جن هتلر من القمقم وجعله يقود العالم الى اكبر مجزرة عرفتها البشرية في الحرب العالمية الثانية، ومن حسن حظ البشرية ان السلاح النووي لم يكن وقتئذ متوفرا كما هو اليوم وان مختلف الاسلحة التي استعملها لم تكن بقدرة اسلحة اليوم على الفتك والدمار.