هل يمكن القول إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قد فشلت، “فشلاً نسبياً” كما جاء في السؤال الذي أشرتُ إليه في التدوينة السابقة؟ للجواب وجهان. من وجه، هي تبدو، في صيغتيها الأولى والثانية على الأقل، وكأنها “حققت أهدافها” باعتبار الانخفاض الذي عرفه منسوب الفقر، كما تُفْصِح عن ذلك الإحصائيات الرسمية.
من وجه آخر، نرى أن المبادرة، حتى في طبعتها الأخيرة ( 2019 ـ 2023 ) ما تنفك تُراوح بين حدودها، ولا تكاد ترتقي إلى الأسباب المحدِّدة، في آخر التحليل، للحرمان الاقتصادي الذي منه تتضوَّر الفئات المعوزة. قد تُفْلح في انتشال بعض الفقراء من الحاجة والضيق، وقد تُمكِّن آخرين من” دفع الحرج والهلاك”، إلا أنها عاجزة ، موضوعياً، عن اجتثاث الفقر من جذوره.
سبق أن نوَّهْنا إلى شروط الحجم والنطاق والتكلفة البديلة التي يتطلبها توفير الضروري من التنمية. شرط آخر لا يقل أهمية: يتعلق الأمر بالإطار المؤسسي الذي يحكم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وينتظمها. لطبيعتها الشاملة لكل الأولويات والمتقاطعة مع كل السياسات، كان الأجدر بالمبادرة أن تتبوأ المنظومة الحكومية عوض الموقع الضيق و المحصور الذي خُوِّل إليها. على مستوى الحكامة، وزارة الداخلية ليست هي الأفضل ولو كانت، من حيث الوسائل، هي الأنجع.
أنماط اشتغالها التقليدية في تعارض صارخ مع المنهجية التشاركية، الأفقية، والتصاعدية، التي تقوم عليها المبادرة. في ظني أن الأنسب إحداث “قطب محوري” (pôle focal)، واستراتيجي للتنمية البشرية، موكول إليه إعادة بناء السياسات العمومية كافة، عمودياً وأفقياً، على قاعدة التمكين من القدرات.
دون هذه الشروط كافة لن تؤتي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ثمارها المرجوة، بل وقد تظل، من جرَّاء تفاقم الفقر، واشتداد وطأة الحاجة، كمن يحرث في البحر. ودون تضافرها لن يستقيم ذلك البديل الذي تهفو إليه النفوس.
نور الدين العوفي