جماعة مراكش الوطنية اليوسفية بزعامة عبد الله ابراهيم بين سنتي ( 1934 -1937 )
محمد الطوگي
وعلى كل حال فسأعالج ما تساءلت عنه فى المقدمة انطلاقا من تحليل فقرة من مداخلة لعبد الله إبراهيم جرت يمناي بتقييدها وتدوينها وأنا أتابع كلمته القيمة المرتجلة حول “التعليم العمومى الحديث بالمغرب النشأة والتطور والوضع الحالي” القاها، رحمه الله بكلية الحقوق بمراكش في ربيع 1999. وحسب استقصائي فإن المنظمين لم يتفطنوا لتسجيلها، وقد اعتبرت الفقرة التالية نصا؛ لأنها تتوفر على جميع حيثيات النص التاريخي، سواءاً تعلق الأمر بمصداقية القائل أو شكل النص المتميز بالكثافة، وما يحمله من مضامين يقول عبد الله إبراهيم:
ابتدأت هذه الحركة سنة 1934 في جماعة تنتمى إلى الجامعة اليوسفية آنذاك كان جامع ابن يوسف آنها يعج بالطلبة الآفاقيين والمقيمين، وكان بين أحضانه جماعة متفتحة من الطبلة يتراوح عدد أفرادها بين 6 إلى 10 أشخاص كانوا ينتمون إلى “ابن” “يوسف” لكنهم كانوا يتطلعون إلى ما فالدراسة في “ابن” “يوسف” تتوفر على مجموعة من الأساتذة كل واحد منهم يكرر نفسه، وكان التركيز بالدرجة الأولى على الفقه والنحو “الشيخ خليل والألفية هما الحكمة المخفية” كانت تدرس ” الأجرومية” وتخرج فيها عدة هو أحسن، سلك وشروح “الشيخ خليل ” ، و “شروح الألفية”، وقد كان من المطالب الأولى لهذه الجماعة تنظيم الدراسة واتجاهها هذا اصطدم بعراقيل من مجموعة من المحافظين بدعوى أن الجماعة ستقدم هذا التعليم الديني الأصيل إلى الفرنسيين. هذه حجتهم ولا ينبغي أن نسخر منها فهى غير فاسدة، نعم إن فرنسا بإمكانها ركوب هذا التنظيم لمراقبة التعليم في الجامعة اليوسفية، فتترك من تشاء و تقف في وجه من تشم فيه شيئا من التمرد على كل حال طالبنا بالتنظيم ونجحنا في تطبيقه ولم أكن منتظما فيه بمعنى أننا كنا أحرارا في قراءة المواد التي نريد وكنا على اتصال بكل ما يجري فى الشرق، فعن طريق مصر” تعرفنا على ما يجري في “الهند”، تعرفنا مثلا على أفكار “غاندي”، وتعرفنا على ” سعد زغلول “، وكان بعضنا يحفظ خطبه”.
فهذا النص الصادر ارتجالا عن رمز من رموز الحركة الوطنية ومؤسس جماعة مراكش الوطنية هو مستندي في التحليل، والعمدة في الإجابة على ما طرحت وما لم أطرح من الأسئلة
ا – تحدث النص عن جماعة مراكش الوطنية، طلب مني استبدال كلمة جماعة التي وردت فى عنوان هذه المداخلة بكلمة أخرى وطبعا فما كان لي أن أيدها من تلقاء نفسى فبالإضافة إلى ورودها فى هذا النص، فقد تداولتها السنة المهتمين بتاريخ المغرب المعاصر مما جعلها تكتسي صبغة الاصطلاح، فالأستاذ عبد الله العروي في الجزء الثالث 3 من مجمل تاريخ المغرب يتحدث عن جماعة فاس بزعامة علال الفاسي وجماعة تطوان بقيادة عبد السلام بنونة، وجماعة الرباط وعلى رأسها بلافريج واليزيديان، ولم لا نتحدث عن جماعة مراكش التي حمل لواءها عبد الله إبراهيم؟ وتنبغى الإشارة إلى نقطة أساسية، وهي أن هذه المجموعات الوطنية كانت فى تنسيق منسجم متكامل مع القصر، مع جلالة أمير المؤمنين الملك محمد الخامس ، فلا تقدم على أمر من الأمور إلا بقراره، وتستنير بإرشاداته فى الدقيق والجليل من المواقف والأعمال، وما فتى ذلك دأبها وديدانها، فعندما لم يجد المستعمر مفرا من الإقرار والإعتراف باستقلال المغرب دعا رموز الحركة الوطنية إلى الجلوس وإياه إلى طاولة المفاوضات، فرفضوا ذلك رفضا باتا، وأعلنوا بعبارات قوية أنهم ليسوا أهلا لذلك وأنهم ليسوا سوى رعايا ومواطنين من جملة مواطنى جلالة الملك محمد بن يوسف وأنه الوحيد الذي له حق ومصداقية التفاوض والحل والعقد عن حديث متلفز للأستاذ امحمد بوستة. بعد الإشارة إلى هذه النقطة الهامة نقول : إن النص الذي نحن بصدد تحليله :
يشير ضمنيا إلى رئيس هذه الجماعة الوطنية وهو عبد الله إبراهيم والإجماع منعقد على زعامته لها، كما يتطرق إلى الفئات المنضوية تحتها وزمان التأسيس ومكانه ،ومرجعيتها وتوجهها، وإلى جانب من اهتمامها الثقافي والتربوي والمتمثل في إصلاح التعليم فى الجامع اليوسفى وسنبقى مستأمنين في هذا التحليل على حدود الثلاثينيات سواء تعلق الأمر بالأحداث أو بترجمة عبد الله إبراهيم .
ففيما يخص حياة عبد الله إبراهيم السياسية فإننا نجدها منذ وقت مبكر، تتسم بالحركية النضالية، ويتواشج فيها الوطنى والقومي والدولي، ويصطلح فيها التنظير والتأمل والحفر فى أوضاع المغرب الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية والحضارية فهو كما يقول: ” يثبت الماضى ليربطه بالحاضر، ويفرز الحاضر ليمهد أمامه المستقبل” .4 هذا وإن خياراته السياسية هي نفسها خياراته الأدبية وإن مناشطه المتنوعة تحكمها رؤية للعالم منها تمتاح وإليها ترجع والحديث عنه يستدعى دوما استحضار الذاتى إلى الجانب الوطنى والقومي والدولى. وسنقف من حياة هذا الزعيم الخصبة والممتلئة بجلائل الأعمال والموشومة بالدقيق والخطير من تاريخ المغرب المعاصر، قلت سنقف عند بعض الوقائع التى حصرها النص فى أواخر الثلاثينيات ولكن هذا لا يمنع من التعرض ولو بالإشارة إلى أحداث شاهدها أو عاشها زمن صباه ومراهقته، وكان لها وقع خطير فيما بعد في مسيرته النضالية.