آخر الأخبار

الحركة الوطنية بمراكش – 4 –

جماعة مراكش الوطنية اليوسفية بزعامة عبد الله ابراهيم بين سنتي ( 1934 -1937 )

محمد الطوگي

فمثل هذه الانتفاضات المتعاقبة على الصعيدين المحلى والوطنى لا يمكن نسيانها، فهي التي ستمهد وتؤدي لظهور جماعة مراكش الوطنيه التي لا تقل أهمية عن جماعة فاس والرباط وتطوان وطنجة . أرخ عبد الله إبراهيم لتأسيس جماعة مراكش بسنة 1934، وهي سنة كما قدمنا لها دلالتها فى تاريخ المغرب الحديث، فهى تمثل نهاية الحرب البطولية والمقاومة الشعبية الشرسة للاستعمار التي قادتها الأرياف والمناطق الصحراوية أو ما يسميه عبد الله إبراهيم بالمغرب العميق الذي شكل آنذاك 80 % من ساكنة المغرب. فى هذا التاريخ انسحبت البوادي مكرهة من المعركة المسلحة لعدم التكافؤ لتترك المصير الوطنى تاريخيا لمسؤولية المغرب الجديد للمدن التي ستقاوم ولكن انطلاقا من تاكتيك آخر؛ قوامه العمل السياسي المسالم أو المعارضة السياسية الحضرية المطالبة بإنجاز مجموعة من الإصلاحات التي نصت عليها معاهدة الحماية، وهكذا أسس الشباب المثقف في هذه السنة أول حزب سیاسی مغربی هو كتلة العمل الوطنى ” وأعدوا ميثاقا أسموه برنامج الإصلاحات 1 دجنبر 1934″ (11).

يقول عبد الله إبراهيم عن هذا العمل السياسي المسالم ” هو عمل مبنى أساسا على استعداد الوطنيين الدائم للمفاوضة والمجابهة وتحمل القمع الاستعماري بشجاعة ولاستعدادهم الدائم أيضا للمقايضات والاستعطاف والمهاودات معه من جهة أخرى (12)

كيف تسنت لعبد الله إبراهيم قيادة جماعة مراكش الوطنية؟

تحدث عبد الله إبراهيم فى كتابه نداء الحرية عن أصول الشباب الذين قادوا الحركة الوطنية عندما قال: إن الشباب الذين سيقودون الحركة الوطنية باسم المغرب الجديد خلفا لجماهير المغرب العميق، ينحدر فريق منهم من أسر حضرية لها تقاليد مدنية عريقة فى المخزن، بينما ينحدر الفريق الآخر من أسر تنتسب إما إلى بورجوازية المال وإما إلى جموع الحرفين وجماهير العاطلين في المدن المغربية الكبرى، وإما إلى أرستقراطية المعرفة أو البيت النبوي الشريف” (13) .

مما أسلفنا نعلم أن عبد الله إبراهيم من أصول تنتمى إلى المغرب العميق من والد حرفى فلم يكن له انتماء في بورجوازية المدن كعلال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني وعبد السلام بنونة… الخ، ولهذا فزعامته يمكن إرجاعها إلى فئة الحرفيين وإلى ما أسماه بأرستقراطية المعرفة، وفى إطار هذه الأرستقراطية وموقفها من المستعمر ميز عبد الله إبراهيم بين صنفين من المثقفين: (14).

1 – مثقفون إحلاليون، وهم الذين ركنوا إلى المستعمر وروجوا لإيديولوجيته بطريقة أو بأخرى. وهذا يصدق على أولئك الذين أثروا المسكنة والانتحار على تحمل مسئوليتهم برجولة، ثم فضلوا أن يعيشوا أميين بين الأميين. فالساكت عن الحق شيطان أخرس ومثلهم بالحلزونة الصائمة، وبالتمثال الرخامي وفي هذا الصنف يندرج أيضا المثقفون من متصوفة الوقت ضاق أفقهم وقصرت نظرتهم فباعوا أنفسهم للمستعمر فاعتدوا بالدنيا وزخارفها، وتهافتوا في بسط سلطانهم على الجهلة بمساعدة المستعمر (15).

2 مثقفون ،ملتزمون، لم يصمتوا عن الحق، فكانوا في الطليعة الأولى من جنود الكفاح. وفى هذه الفئة من المثقفين العضويين بالمفهوم الكرامشى، يتموضع عبد الله إبراهيم. فهو كما قال المختار السوسي ثابت على المبادئ، لا يساوم ولا يهادن، يدافع عنها برجولة وشهامة إلى حد الاستماتة ” فالمثقف بالمعنى الحقيقي، في نظر عبد الله إبراهيم، ” هو الملتزم سياسيا، والإخلاص في ذلك شرط أخلاقي. فأنا لا أتصور شخصا يعتقد شيئا، ويصدر في سلوكه عن أشياء تناقض التصور. فالثقافة باعتبارها جهازا لتنظيم التصورات وتعميقها هي خلفية الشخص، وعنها يصدر. فكلما التزم المثقفون سياسيا كلما كانوا نزهاء فى ثقافتهم وفي تصوراتهم وبالتالي في التزامهم، ووجدوا أنفسهم متقاربين ” (16 ).

ومن هذا المنطلق الثوري ابتلي عبد الله إبراهيم بالسجن مرارا بسبب مواقفه الصامدة، وتحمل فى إباء وشموخ ألوانا من القمع المادي والمعنوي إلا أن “القمع، في نظره عامل مساعد على تأجيج روح النضال، فلقد كان تصرف المستعمرين قاسيا ومهينا للشعب المغربى ولكنه أيقظه بعنف ووجهه إلى بلل النفس والنفيس دفاعا عن الحرية” (17).

– ويمكن اعتبار النسب الشريف الإدريسي الذي تسلسل في أرومته عاملا معضدا لما أسلفنا، فهذا وغيره مما أسلفنا هو ما جعل شباب مراكش يكبر عبد الله إبراهيم ويقدره ويطمئن إلى زعامته ” فقد نظمهم كما قال المختار السوسي في خلايا وعودهم على الاجتماعات وبالسعي إلى الرفع من شأن مراكش”.

ب – يرجع النص تاريخ تأسيس جماعة مراكش الوطنية إلى سنة 1934. واستحضارا لما أسلفنا من إيحاءات هذه السنة ينبغى أن نعلم أن ليست تمة قطيعة بين اللحظتين لحظة المقاومة المسلحة والعمل السياسي المسالم “فإن للجديد جذورا متأصلة فى القديم، وللماضى استمرارية مؤكلة في الحاضر ” 18. ودليل ذلك أن الضربة التي وجهها محمد بن عبد الكريم الخطابي للجيوش الإسباني والفرنسية أدت ابتداء من سنة 1925 إلى بروز المعارضة السياسية في المدن، وقد تبلورت هذه المعارضة حول “الظهير” البربيري” 16 ملي بين سنة 1930 (19)”. كما أن سنة 1934 جاءت عقب سنة 1933 التي أعد خلالها الشباب المثقف برنامج الإصلاحات أو المطالب العامة، وأثناءها أي فى سنة 1934 أسسوا أول حزب سیاسی مغربی هو ” كتلة العمل الوطني” الذي سيقدم فى سنة 1935 وثيقة المطالب المستعجلة. يقول عبد الله إبراهيم: “إن الحركة الوطنية بعد أن ترعرعت من حركة ضد الزوايا إلى حركة ضد الظهير البربري إلى حركة تحاول أن تكون منظمة لتقديم المطالب العامة في سنة 1933، ثم المطالب المستعجلة سنة 1935، أخذت تشعر بضرورة تنظيمها” (20).

وعلى كل حال فإن سنة 1934 التى تؤرخ لتكوين مجموعة مراكش تحمل مجموعة من الدلالات فقد أغنتها أحداث سابقة أدت إليها، وأخرى أفضت منها إلى مواقف أكثر سياسية وإلحاحا ومطلوبية في سنوات لاحقة.

ج – يقدر النص مجموعة مراكش في سنة 1934 بنفر يتراوح عددهم بين ستة إلى عشرة من طلبة جامعة ابن يوسف وهم بل منهم في هذه المرحلة ما انتهى إليه استقصاؤنا بالإضافة إلى عبد الله إبراهيم عبد القادر حسن، ومحمد الملاخ والحسين الورزازي ومولاي أحمد المنجرة، وابريك الغراس وعبد المجيد الشراط ومحمد ابن المختار الشكدالى دون أن ننسى مجموعة مشايخ علماء ابن يوسف كالعلامة محمد المختار السوسي وشيخ الجماعة محمد بن الحسن الدباغ والعلامة السيد أحمد بن فضيل والعلامة السيد الحسين المسفيوي، ونجله العلامة سيدي عبد القادر المسفيوي والفقيه سيدي محمد بن عبد الرزاق والعلامة السيد عبد الجليل بلقزيز (21).

من تمثيلية أسماء الجماعة نلاحظ ما يلى :

إن الجماعة قائمة على طلبة ومشايخ تلك الجامعة، وهى منفتحة على التجار والحرفيين وباقى الفئات الاجتماعية المراكشية .

فالطبقة المثقفة بمشايخها وشبابها عملت على نشر الوعي الديني والوطني بين جماهير طلبة ابن ،يوسف وكان فيهم ابن المدينة ،والآفاقى، وهؤلاء بدورهم حملوا حلم الحرية ومقاومة المستعمر إلى الداني والقاصي من أهاليهم. كما أن الدروس الليلية المخصصة لفترة ما بين العشاءين، سواء في جامع ابن يوسف أو غيره من المساجد الجامع منها والراتب برمجت تلك الدروس بحيث باتت تحمل مضامين رمزية مضامينها تدين المستعمر، وتؤجج مشاعر المقاومة والتمرد فدروس السيرة النبوية على سبيل المثال أوحت بأن الوطنيين يمثلون الصحابة – رضوان الله عليهم . لأنهم يسيرون على نهجهم وجعلت من صناديد كفرة قريش رموزا للاستعمار والخيانة. كما أن غزوات الرسول عليه السلام، وسرايه كانت توحى بالصراع الدائر بين الحركة الوطنية والمستعمر الغاشم وتبشر المقاومين بالنصر المؤزر وتنذر الكافر المستعمر، بالخسران المبين. ومما لازالت تحتفظ به ذاكرة من بقى من الوطنيين ممن حضر في الحفل الدينى الذي أقامته جمعية شباب محمد احتفاء بالهجرة النبوية في جامع ابن يوسف في غضون الأربعينيات، قول عبد الله إبراهيم في كلمة له بهذه المناسبة: إذا استحال الإنسان إلى فكرة أصبحت القوة في يد خصمه عملا سخيفا، وكذلك كان محمد عليه السلام .