جماعة مراكش الوطنية اليوسفية بزعامة عبد الله ابراهيم بين سنتي ( 1934 -1937 )
محمد الطوگي
د الفضاء الرئيس الذي يوحد جماعة مراكش الوطنية هو جامعة ابن يوسف هذه الجامعة ذات التاريخ التليد في العلم والنضال والوحدة المذهبية
والسياسية للغرب الإسلامى .
الفضاء الثاني الذي يعتبر امتدادا الجامع ابن يوسف و يسمح بالتقاء أعضاء هذه الحركة، هو المدارس الحرة التى تعتبر امتدادا لجامعة ابن يوسف فتحها مشايخ هذه الجامعة وبعض طلبتها، ودرسوا فيها إلى جانب إخوانهم اليوسفيين المواد الشرعية واللغة العربية وعلومها والتاريخ الإسلامي، والتربية على المواطنة الحق؛ القائمة على الحرية والمسؤولية ومصلحة الوطن فوق كل اعتبار وهذه المواد حاملة للمقومات الأساسية للهوية المغربية التي عمد المستعمر في المدارس التابعة له إلى إلغائها أو إضعافها، والتقليل من أهميتها والازدراء بها وبأساتذتها ماديا ومعنويا. فبناء هذه المؤسسات “كان أساسه في الواقع هو الوقوف والتصدي لسياسة المستعمر، ولتخطيطاته الجهنمية الهدامة التي كانت تسعى للمستعمر أولا وقبل كل شيء إلى طمس معالم الطفل المغربي وتضييق الخناق على لغته العربية، والقضاء بالتالي على مقوماته الإسلامية، وذلك ليتسنى أن يجعل من هذا الطفل المغربى الفتى لعبة تكون طوع يده الأثيمة ليخلق منه الرجل الذي ترغب فيه الإدارة الفرنسية الاستعمارية” (22) كما نظموا في قلب هذه المدارس الحرة دروسا ليلية لعامة الشعب حاربوا بها الأمية، وغرسوا في روادها روح المقاومة الوطنية “إن الواجبات التي كانت تستحوذ على اهتمام الحركة الوطنية ذات ،توجهين الناحية التربوية وتتعلق بالحفاظ على الشخصية المغربية عن طريق سلسلة من المدارس الحرة. التوجه الثاني محاولة ربط هذه المدارس بتكوين وطنى. ومن ثم فالفرنسيون كانوا يعتقدون بأن كل مدرسة أسست هى فى الحقيقة مركز لتكوين أشخاص ضد فرنسا، فقد كانت الحركة الوطنية تشعر بأكثر من ضرورة على الحفاظ اللبنة الأولى في التكوين وهى المدارس” (23)
الفضاء الثالث الذي يمكن إضافته هو أيضا امتداد علمى ووطنى الجامعة ابن يوسف هو البيوتات الخاصة بشباب الحركة اليوسفية وألهم، وفيها يجري تكوين من نوع آخر، حيث تدرس كتب لا يسمح بتداولها في حلقات الجامعة اليوسفية، كتب فلسفية وأدبية وسياسية، وتقرأ الصحف المسموح بها والمحظورة وتطرح القضايا الثقافية والسياسية على طاولة النقاش والتداول – ولقائل أن يقول وماذا عن فضاء المقاهى العصرية الذي استنبته المستعمر داخل المدينة العتيقة وخارجها ألم يكن مجالا للقاءات الأخوية والنقاشات الفلسفية والسياسية على غرار ما كان يجري في أوربا منذ القرن 18 ؟
فعلا وجدت بعض المقاهى العصرية داخل المدينة وبالضبط في محيط ساحة جامع الفناء منتجة الكلام ومستهلكته حيث وجد آنذاك أيضا مركز مهم حل وحرم من المشروبات، ولهذا لا غرابة إذا كان للفقهاء اليوسفيين آنذاك (24) للشرطة وثكنة عسكرية وكانت تلك المقاهى مجلسا لشرب الدخان وإدارة ما موقف منها، فأقل وأبسط علل ،ارتيادها، أن الجلوس فيها جلوس على قارعة الطريق وهو عيب قادح فى المروعة بصفة عامة فما بالك بخاصة الطلبة اليوسفيين، وحتى لو سلمنا جدلا بارتيادها فإن ما يتداول بين جدرانها في أوربا لا يمكن طرحه أو مجرد النبس به فى بلد مستعمر – بفتح الميم كالمغرب
هـ – من مظاهر قمع المستعمر ومن سار في ركابه : إن تاريخ القمع الاستعماري في المغرب هو الوجه الآخر السياسي في نفس الوقت لتاريخ الحركة الوطنية الإيجابى، مثلما ظلت الحرب أيضا، هي واقع العلاقات الفرنسية مع المغرب العميق إلى سنة 1934. وهكذا إذن هو الاستعمار. لقد كان مطلب الوطنيين في إطار عقد ،الحماية، أقل جدا مما يعد به عقد الحماية نفسه، فسجنوا وعذبوا ونفوا وقتلوا وأهينوا وشردوا وشردت أسرهم أحيانا، وضويقت هي أيضا فى حياتها العادية، أو قطعت عنها وسائل الارتزاق والعيش والكسب اليومى المشروع” (25)
وعلى كل فإن هذه الجماعة الوطنية الجنوبية الواقفة في وجه المستعمر ومشايعيه لم تسلم من تعسف المستعمر وقمعه وبطش لكلاوي وجلاوزته وتربص الخونة ومكرهم :
إن درب الانعتاق شائك وللحرية ثمنها وندرج في هذا المقام لا أقول نموذجا ولكن شيئا يسيرا مما قاسته جماعة مراكش الوطنية، بل الحركة الوطنية المغربية صفة عامة. يقول عبد الله إبراهيم وبتجرد عن أي حزازة فى النفس، سنحاول أن نسوق بعض ذكريات هنا، إشعارا بثمن الحرية التي هي الآن أمانة تحت مسؤولية الأجيال المغربية، وأنفس مكسب من مكاسبهم الوطنية العليا .
فهذا العالم الجليل شيخ الإفتاء فى مدينة مراكش العلامة المرحوم الحسين المسفيوي، 92 سنة، يخرجه الجلاوزة الأشرار ليلا من فراشه، ساعة بداية القمم الأكبر للمدينة التاريخية فى سبتمبر سنة 1937 فينهالون عليه ركلا وضربا وينتقون لحيته وينعتونه بأقبح النعوت وياخذون بتلابيبه في الطريق إرهابا للناس، ليقودوه حافيا إلى معتقل ليلى فى انتظار الحكم عليه في الغد بالسجن شهرا نافذا، بتهمة التشويش على السلطات والاتصال بالوطنيين، الذين كانوا يساقون بدورهم بالعشرات فى نفس الوقت، وأمام نفس المحكمة ليأخذ كل الاضطهاد السريع أمام العدالة الاستعمارية الطائشة نصيبه من الاضطهاد السريع أمام العدالة الإستعمارية الطائشة .
وهذا الشيخ الوقور العلامة محمد بن الحسن الدباغ 79 سنة. مدرس سابق وأستاذ سابق في مسجد باريس. وعالم من علماء كلية ابن يوسف بمراكش مختص في تدريس العقائد والمنطق والمقولات الأريستطاليسية والبلاغة وأصول الفقه، يقوده إلى السجن شرطيون من رعاع الأوربيين ووجهه ملطخ دما وسن أسنانه الأمامية فى يده، إذ أسقط على وجهه عند هبوطه من سيارة جيب على إثر ركلة مفاجئة سددها له أحد سفلة الشرطيين من الخلف، فانكب العلامة الجليل على الأرض، وأصيب وجهه برضوض، وسقطت إحدى أسنانه الأمامية على عتبة السجن (أبو المهاريس) الذي سيق إليه ليقضى فيه يوما واحدا ونصف ليلة فقط، ريثما ينقل على جيب عسكرية إلى مدينة تارودانت في الجنوب، حيث أجبر على تنقية مجاري الوادي الحار فيه، ثم على تبليط حى اليهود مع جمع آخر من الشيوخ الأجلاء المدرسين في كلية ابن يوسف بمراكش ومع القادة الوطنيين أيضا في مراكش ألقى القبض على مئات الأشخاص من بينهم شاعر الحمراء الشهير المرحوم محمد بن إبراهيم والمحسن الوجيه الشيخ مولاي الحاج السراج فسيقوا إلى المحكمة بدورهم مثلما يساق الأشرار وقطاع الطرق .