* مصطفى المنوزي
” إن القطع مع الماضي له معنى واحد: الانتقال ديموقراطيا وبأدوات ديموقراطية، .من نظام غير ديموقراطي إلى نظام ديمقراطي ، لأن التحول الديموقراطي غاية ووسيلة ”
كنت وسأظل أكرر هذه العبارات والتي اعتبرها منهجية بيداغوجية لتأكيد وترسيخ مقاربتي المعلومة وأنه لا يعقل أن نبالغ في الدفاع عن اللحظة الوطنية على حساب اللحظة الديمقراطية ، مقاربة تعتبر شعار تحرير ديمقراطية إشتراكية غير قابل للتقادم أوالتخلي ، ومن هذا المنطلق تظل الشرعية الديمقراطية هي الأساس ، في ظل تآكل بقية الشرعيات الأخرى المؤسسة أو المهيكلة مبدئيا ، ولكن غير الحاسمة في آخر التحليل ، ولأن تنافس الشرعيات من تاريخية او وطنية أو دينية وتنازعها بالأحرى مكلفان ، حيث الثمن هو إرجاء مطلب الديمقراطية ، بإسم عدم النضج أو تقديم اللحظة الوطنية ، وهو ثمن باهظ ما دام يؤبد معوقات التحول . من هنا فإن نؤكد على ضرورة إحداث المجلس الأعلى للأمن ، والذي يمكن اعتبار عدم تفعيله انتهاك للدستور الذي أقره ، خاصة وأنه غير معلق على شرط سن قانون تنظيمي لتنصيبه ؛ فهو لا يحتاج سوى فعل ” كن ” ليكون ويشتغل ، وفي رحابه يتم التشاور ثم التداول في كل ما يتعلق بالسياسات العمومية في مجال الأمن والأمور السيادية المحسوبة افتراضيا وعمليا وواقعيا على المجال المحفوظ للمؤسسة الملكية ، و الغاية من الإلحاح على جدوى تنصيب المجلس الأعلى هي التحقيق الفعلي والناجع لمبدأ التشاركية ( بصرف النظر عن صعوبة ديمقراطيتها ) وذلك في بلورة مواقف موحدة أو توافقية حول طرق تدبير الشؤون الخارجية وقضايا السيادة الوطنية والوحدة الترابية ، والتي تتأثر لزوما بالوضع السياسي والإجتماعي الحقوقي العام ؛ وهو وضع يفترض فينا النضال لتصفيته بما هو أفضل وتجويد السياسات المتعلقة به عضويا ؛ وليس تبريره او الدفاع عنه إختلالاته السلبية ، منا يستدعي منا كحقوقيين أن نرصد ونثمن التطورات الحاصلة وصد ونقد بل مناهضة وفضح الخروقات المناقضة لاستراتيجية النضال الحقوقي ، وذلك بصنع وطرح البدائل ، عوض التزكية والمهادنة والمجاملة طمعا في إستقرار مزعوم . صحيح أن بعض المنظمات الحقوقية الأممية والمؤسسات التشريعية أو الحكومية الدولية قد تشاركنا نفس الشخيص ، غير أن هذا لن يدفعنا إلى المجازفة والتعاون ( موضوعيا هو تواطؤ ) من أجل تزكية حق قد يراد به باطل ، فنحن أولى بفرض مقاربتنا المستقلة عن الدولة و” أعدائها ” الخارجيين ، لأن الدولة وعقلها الأمني مسؤولة عن أخطائها وعن أعطاب مقاربتها ( السياسية والأمنية ) ، ولا يعقل أن تتماهى مواقفنا مع أي منهما ، اللهم ما تعلق بالمشترك الوطني السيادي دون توزيع صكوك غفران أو الإنسياق مع وصايا المركزية الغربية التي قد تعتبر التدخل الإنساني ذريعة لخدمة المصالح الخاصة . ولأن المناسبة شرط لابد من أن نؤكد بأنه على الدولة ومهندسيها الأمنيين أن يعطوا الأسبقية ، في الإنصات والتفاعل والتجاوب مع تظلمات ومطالب وتعبيرات واحتجاجات المواطنين وتقارير الهيئات الحقوقية الوطنية ، دون تمكين الخوارج من أي امتياز في التعاطي أو الإعتبار ، فالمغاربة أولى بالاعتبار والعناية والإنصاف ، وإن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن سؤال الأمن القضائي والمحاكمة العادلة لا زال ينتظر المعالجة والتحيين والتجويد ،في ظل إصرار السلطة التنفيذية على إلحاق كافة السلطات والمؤسسات والهيئات ، إضرارا بها وبمبدأ إستقلاليتها ، ولأدل على ذلك ما يجري وما يخطط له في العلاقة مع مكونات منظومة العدالة ، خاصة في التنظيم القضائي والنظام الأساسي للقضاة وقانون مهنة المحاماة ، وحتى المجلس الوطني للصحافة لم يسلم من إرادة الإلحاق والذيلية من خلال ما تبين من التعديلات المراد إدخالها ، سواء المتعلقة بتعيين الرئيس بمقتضى ظهير او بتحويل الهيأة إلى مجرد ناطق ومدافع عن السمعة وتلميعها بإسم الحكومة المغربية تجاه الخارج ؛ وهو نقاش ينبغي أن نطلقه عموميا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، فالحقوقيون مجبرون على الدفاع عن مصير الوطن وحقوق المواطنين وليس عن سياسة الدولة في مجال حقوق الإنسان .
*رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن
وأكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي