إدريس الأندلسي
كلنا خدام دولتنا و مواطنون في بلادنا ولكن نخبة من بني جلدتنا يتولون أمورنا عبر انتخابات أو إختيار إداري. هذا المعطى الأول في مشهدنا المغربي أي أن هناك من اخترناهم، بالجمع غير الدال على حرية أو إجماع، و هناك من تم اختيارهم من طرف من لهم سلطة الإختيار، وهذا أمر شائع في كل بلاد الدنيا مع شيء من الإختلاف في المقاييس و أشكال المحاسبات. دستورنا واضح في مجال ربط المسؤولية بالمحاسبة و هذا الوضوح يكاد يغنينا عن تشريع يهم الاغتناء غير المشروع لأن ” شرح الواضحات من المفضحات”. و هكذا نطفئ، لو لنا القدرة، صراعات حول مواقف ” سياسية ” و سحب حكومة بكاملها، و ببرنامجها و بقيادات الأحزاب المكونة لها ، لمشروع قانون كاد أن يطفئ عطش المغاربة حول أغنياء لم يدخلوا مجال الإستثمار و لكنهم ضحوا بالغالي و النفيس و اقتحموا مجال السياسة و أصبحوا من علية القوم و من زبناء النظام البنكي المفضلين عن غيرهم.
رحل رموز نزاهة العمل السياسي و لعل، و ألله أعلم، آخرهم المرحوم بن سعيد أيت ايدر. بالطبع لا زال كثير من المؤمنين بنبل العمل السياسي و الحقوقي و الذين لا يخافون في الحق لومة لاءم. و لا زال الأخيار اخيارا، و النبلاء نبلاء، و الأحرار أحرارا، و المولين ظهورهم للخير و النبل و الحرية بيننا. هؤلاء المولين ظهورهم للخير هم شر البرية و لكنهم موهمون في قدرتهم على الإستمرار في تعنتهم و احتقارهم للغير و استغلال كل أوقاتهم في الضغط على صاحب حاجة أو صاحب مشروع أو محب لوطنه. هؤلاء أعداء الحكامة و أعداء الوحدة و أعداء المؤسسات و أعداء الأمل في مستقبل الوطن. و هؤلاء تجب محاسبتهم و محاصرتهم بكل الوسائل لكي ينمحي أثرهم من حاضرنا. هؤلاء من سموا أنفسهم، في لحظة سهو، خدام الدولة. و هل هذه الصفة، غير الرسمية، تسمح بالحصول على امتيازات تميزهم عن غيرهم. يا للعجب.
أعتبر أن كل الأحزاب و النقابات و الجمعيات مستهدفة من أعداء الشفافية و العدل و المساواة و الثقة في المؤسسات. و لهذا لا يجب أن نوجه الاتهامات لكل هؤلاء بالتواطىء مع الفاسدين. يجب أن نتضامن معهم، و على كل المستويات، لكي لا يتسلل إلى أجهزتهم و هيئاتهم أي مفسد. يجب على كل الشرفاء أن يتعاونوا مع كافة أحزابنا لكي يمدونهم بكل المعطيات التي تهم من يكون قد وصل، بخبث تكتيكي و إجرامي، إلى هياكلها أو إلى جسم منتخبيها. يجب علينا أن نحمي أحزابنا من ” الشفارة و المرتشين و تجار المخدرات و الذين اغتنوا بدون سبب “.
يجب أن نحمي مؤسساتنا و الأحزاب من ضمنها. في هذه القضية التي يمكن اعتبارها إستراتيجية، يستوي اليميني باليساري و الليبرالي بالاشتراكي. الايديولوجيات تؤمن بالاختيارات المتناقضة و لكنها، في مجملها ، تكاد تجمع على أرضية دنيا من القيم. لا أظن أن البورجوازي الذي يمارس السياسة سيقبل أن يكون زميلا لتاجر مخدرات. الواقع الذي نعيشه منذ فترة مخيف و عنيف. لكن الدوام لله وحده. تباشير صبح جديد تلوح على بلدنا. المواطنون يبحثون على السبل المؤدية إلى تحصين الوطن. الأمن و القضاء يسيران على إيقاع منتظم محبب إلى حاملي الأمل. مغربنا بيت يرعاه ربه. مغربنا يسير، رغم حماة الريع و تجار الانتخابات و المخدرات و السماسرة، في إتجاه الدول الصاعدة و التي تعطي للقانون و الحقوق و للتربية ما تستحقه من إهتمام. الحكامة ليست عنوانا لبريد إلكتروني، إنها إرادة للبناء و لمحاربة كل من يكبح الإرادة في مغرب قوي يسود فيه العدل و المساواة و نقول فيه للمستثمر الناجح شكرا و للعامل و الفلاح شكرا و للمبتكرين ألف شكر. و نقول لمن استغل موارد بلادنا لكي يغتني بدون سبب كفى. المغرب لمن يحبه لا لمن يستغله اقتصاديا و سياسيا و من يزرع بين أبناءه ثقافة اليأس. و هؤلاء أمامهم أيام حساب مع كل الضمانات. حب الأوطان من الإيمان و هذا الإيمان ليس إلا عيشا كريما للمواطن و أملا في تقدم الوطن. نعم أنا طوباوي و افتخر…
قرأت بإمعان كل تقارير لجنة النموذج التنموي الجديد الذي قدم لملك البلاد. الكلمة التي يمكن اعتبارها مفتاحا لفهم عميق لهذه التقارير هي الحكامة. هذا المفهوم متعدد الأبعاد، لم أفهمه، و أنا طالب بمعهد العلوم السياسية ببوردو الفرنسية، و كذلك فقهاء المعهد الفرنسين في السبعينيات و ذلك خلال سلسلة محاضرات لفقيه كندي كان يشبه هذا المفهوم بلوحة قيادة طائرة. شمولية الحكامة تتطلب تقاطعات في النظرة إلى المستقبل و التقاءية لكل السياسات بما في ذلك سياسة إختيار النخب و محاسبتهم عبر تقييم لعملهم و نتائجهم و تطور أو استقرار وضعهم الإجتماعي و الإقتصادي. مشكلتنا أننا لم ننتبه لسرعة الرياح و نحن نضع مقاليد مجالسنا الترابية و برلماننا و وزاراتنا بين من افترضنا أنهم للحكامة فاهمون.