حوارية زجلية وحفل من نوع رفيع، يذكر بالحلقة وايضا بالكوميديا ديل ارتي كما وصفها جون دوفينيو في ” سوسيولوجيا المسرح ” حيث يندمج الحفل في الفضاء الاجتماعي المفتوح في تفاعل خلاق مع اهتمامات الناس الذين لايكتفون بالتفرج، اذ تخرج هذه الكوميديا من الاطار المؤسساتي والخشبة الايطالية الى الفضاء الاجتماعي المفتوح للتفاعل والاندماج بلا جدار رابع اوثالث او ثاني او اول.
لكن الخطاب يجب ان يستوعب باعتباره معبرا ليس عن ثقافتنا السياسية كما هي في محيطها الثقافي – المجتمعي الاوسع، وكما ترسخت بعد مسارات انتخابية مند ستينات القرن الماضي وانحرفت عن الوعي الديمقراطي الضروري لتاسيس ديمقراطية لاتوجد في تجربتنا التاريخية وثقافة مجتمعنا، ويجب ان يقرا على انه تعبير عن فقدان الثقة المتعاظم في السياسي الانتهازي الذي تاتت له السيطرة وصار عرقلة حقيقية لامكان نجاح انتقال ديمقراطي على قاعدة توافق بين تعدديات المجتمع، وليس بين مكونات نخبة معزولة يهمها تقاسم الريع وفق موازينها، وايضا خطرا على الدولة كبناء، لانه يصيبه بالهشاشة التي تنتج عن فقدان الثقة وهيمنة الشك والريبة مكانها.
لا احب الخطابات الشعبوية المنتشرة، سواء جاءت من اليمين او اليسار او من اليائسين والغوغائيين، لانها منتجات سريعة التلف ولا تترك وراءها غير “التلفة” وكثير من الاشياء التي تستدعي مجهودا للتخلص منها. فالاحتجاج ضد الانتخابات كما تجري في بلدنا وعلى اداء المنتخبين والمؤسسات لايجب ان يختلط في خطاباتنا مع ادانة شاملة للديمقراطية والمؤسسات والممارسات التي لامناص منها لبلوغها.
والديمقراطية المثالية لاوجود لها الا في خطاب مثالي قد ينتهي به الامر، اذا لم تكن الغاية من استعماله اصلا استهدافا للديمقراطية عبر التيئيس، الى عكس ما يريد او يظهر، بحيث يصبح حصان طروادة يستعمله المعادون والمناهضون للديمقراطية الحق، التي تبنى عبر مسارات بها انعراجات ونتوءات وتتخللها صراعات بين الرؤى والتصورات ومقاومات سلبية او ايجابية، والتي يتجدد مضمونها وشكلها صعودا وهبوطا بحسب الموازين والمشاريع المتنافسة عندما يتعلق الامر بالديمقراطيين، والمتصارعة عندما يتعلق الامر بالنزاع بين الديمقراطيين وقوى الردة والنكوص والظلام المعادية علنا او باستعمال التقية والاحتيال للديمقراطية.
الغوغائية هي افضل حليف لاعداء الديمقراطية ولقوى الفساد والتمييع، لانها تساهم في تخصيب ارضيات مناسبة لهم وتقوم باخراج جماهير عريضة من دائرة المشاركة والمواطنة.
محمد نجيب كومينة / الرباط