سعيد عفلفل / أگادير
يزخر شعر الملحون بالعديد من المواضيع / الاغراض التي برع فيها الشعراء ونظموا فيها أبهى القصائد. ولعل أروع هذه القصائد تلك التي نظمت في وصف الخمرة و مجالسها. وتسمى هذه القصائد بقصائد : الساقي ، الدالية ، الكاس ، الخمارة ، الساحي…الخ. وكون شهراء الملحون نظموا قصائد في وصف الخمرة، هذا لايعني انهم كانوا يتعاطونها او يعاقرونها، او ان حياتهم كانت حافلة بالخلاعة و المجون والفسق اوانهم كانوا منغمسين في عالم الملذات والمحرمات؛ إن من بين شعراء الملحون من كان فقيها وعلامة وصناجة عصره ومن منهم من ليس جبة العلم والصلاح.
يمكن تقسيم خمريات الملحون إلى قسمين:
*قصائد وصفت فيها الخمرة وصفا حسيا ماديا صرفا.
*قصائد وصفت فيها الخمرة وصفا رمزيا صوفيا.
وسنعرض لبعض النماذج من الفئتين لاحقا.
إن اول من نظم في موضوع الساقي هو الشاعرالمجدد الشيخ الجيلالي امتيرد،وذلك في قصيدته “الساقي” ، تقول حربتها:
الساقي وڭض لريام رد بالك لا من النوبة لاتفوت مولاها كب اساقي راح الليل
وكان هذا الشاعرسباقا للنظم في كثير من المواضيع، بالإضافة إلى الساقين كان اول من نظم في موضوع الحراز و الضيف و الشمعة و القاضي..الخ ،لهذا يعد هذا الفحل اعظم شاعر عرفه تاريخ الملحون على الإطلاق، وذلك بشهادة العديدمن الباحثين والدارسين لشعر الملحون وعلى رأسهم الاستاذ محمد الفاسي.
وارتباطا بالخمريات في شعر الملحون، يحضرني الآن وصف رائع للخمرة في قصيدة “الزطمة” ، يقول الشيخ الجيلالي امتيرد في القسم الخامس من هذه القصيدة:
” كبت لي ولفي مدامها في فناجل من مرمر، نظرتو امضى من السيف القاطع في اللطام، واقوى من سم اللفاع الخارق، واحلى من العسل ، واصفى من ثلج لجبال ” أي وصف هذا ! أي روعة هذه ! لم أقرأ شعرا في وصف الخمرة بهذا الجمال وهذا الألق. فشاعرنا المغربي “الشعبي” “الأمي” فاق حتى الشعراء العرب أصحاب الصيت الكبير في هذا المجال. ماهذا المدام الذي يجمع كل هذه الصفات / الخصائص العجيبة : حدة السيف ساعة الوغى وقوة السم الزعاف وحلاوة العسل وصفاوة الثلج؟ هذه الصورة الجميلة جاءتنا من شاعر يقال إنه أمي. وهنا لابد من وقفة لكي نعرف معنى الأمية. أية أمية نقصد هنا؟ هل هي أمية أبجدية أم أمية حضارية ؟ إن الإنسان الذي أبدع هذا الوصف الرائع لايمكن إطلاقا ان يكون اميا، لا ابجديا ولا حضاريا
. وبالعودة إلى قصيدة “الساقي” للجيلالي امتيرد، نجده يصف مجلس الشراب في القسم الخامس:
*هيج الساقي ذكر غناه رادف عراقي فعراقي وليلتو حياها صار يسقي برفق وتمهيل
*شاع الخمر هيج البنات باح وفشى مكنون اسرارها وطار حياها لاح طير الحسن الكبيل
*ديك بقصايدها تنشد ديك بعريبها تلفظ والاخرى بغناها كنغمة الماية و الديل
*تاڭ الفجروالليل انشال والطيار تسبح بصوتها لمن انشاها والغصان كساها تخبيل
*هب من جو الفلك نسيم بعد صولة لكمام البين للوداع دعاها كاينادي بالعزم رحيل
*كلها ودع من يهواه له قالو ليلتنا يالشيخ لا تنساها زيدنا فوصافك تبجيل
إن قصيدة “الساقي” لامتيرد تجرنا للحديث عن القصائد التي توصف فيها الخمرة وصفا حسيا ماديا.حين ندرس هذه القصائد نجدها تتمحورحول مجموعة من المكونات/المفاهيم نوجزها في الآتي:
* الزمان: ارتبط احتساء الخمرة بالليل، وقد استفاض الشعراء في و صف الليل، يسميونه تارة الديجوروتارة البهيم واحيانا اخرى الظليم وهناك اسماء عديدة لليل .يأتي الليل في قصائد الملحون في عدة أوصاف فهو سلطان سوداني أسود يحتل المكان ويستولي على الفضاء راخيا سحره وسلطته على الكل ، يخضع له الجميع إلى أن ينسحب مرغما تاركا الفضاء لضوء النهار.غير ان شعراء الملحون افردوا عدة قصائد لشرب الخمر في أوقات أخرى غير الليل،كبداية الصباح والعشية واوقات اخرى.
*الساقي: يقوم الساقي بدور كبير في مجلس الشرب؛ وقد خصه شاعر الملحون بوصف دقيق ومستفيض. وفي غالب الأحيان يكون الساقي غلاما، وقد يكون جارية/قينة. وهي عادة قديمة في الشعر العربي القديم، في العصر العباسي كانت القيان تتشبه بالغلمان لكثرة الطلب على هولاء في مجالس الشرب واللهو،فيقلدن الغلمان وذلك بقص شعرهن وارتداء زي الغلمان.
*الطبيعة: يكتسي مفهوم او مكون الطبيعة اهمية كبرى في قصائد الخمريات، لايحلومجلس الشرب الا اذا كان في الجنان والحدائق الغناء، فترى الشاعر يبدع في وصف الجمال الذي يحيط به فيأتي على ذكركل أنواع الأشجاروالزهور والطيور.يبقى فصل الربيع هو أحب الأوقات للتمتع بجمال الطبيعة.فبعد فصل الشتاء، فصل الأمطار والرعد والسيل تاتي بشائر الربيع، سلطان الفصول فيه تتفجر العطور وتتضوع النسائم وتزهى الالوان على أنقاض الشتاء فتلبس الطبيعة حلة قشيبة يطيب خلالها العيش والإمتاع والمؤانسة.
*الغناء والموسيقى: لايكتمل مجلس الشرب واللهوإلا إذا انبعثت منه الالحان وصدحت الأصوات مغنية منتشية بطيب العيش مستغلة للحظات المتاحة .