آخر الأخبار

الديمقراطية… إما أن تكون ديمقراطية حقيقية.. أولا تكون..

*غني القباج
كل شعب يملك وعيا بواقعه الملموس وبمصالحه الطبقية والديمقراطية وبحريته وبكرامته كضرورة حيوية، هو شعب قادر على صنع ديمقراطية حقيقية في واقعه الملموس ترتقي بقيمه وبخصوصياته الإنسانية والثقافية والاجتماعية المحلية إلى جوهر الكينونة الإنسانية وإلى جوهر الديمقراطية الحقيقية، أي إلى إنسانية الإنسان. واليوم يشكل انتفاض الشعب السوداني والشعب الإيراني، وقبلهما شعوب مغاربية وعربية (شعوب فلسطين، تونس، ومصر، والمغرب وليبيا، واليمن، والبحرين، وسوريا…) مثالا للوعي بمصالحهما الطبقية والديمقراطية رغم عفوية الانتفاض، رغم سلطوية الجيش والطبقة الحاكمة. فرض الرأي والموقف السياسي الواحد على الشعب وهو عامل قد يعصف بطموحات الشعبين السوداني والإيراني مرحليا اللذين يقدمات بانتفاضهما تضحيات كبيرة.
إن من الطبيعي أن تكون الديمقراطية الحقيقية نسبية لارتباطها بالمصالح الطبقية الحيوية الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية للشعب. وبالتالي فالديمقراطية الحقيقية تتبلور في نظام سياسي يملك فيه الشعب فعليا السلطة السياسية وسلطة القرار الاقتصادي والاجتماعي، عبر مؤسسات تمثيلية ديمقراطية ونظام سياسي يملك فيه الشعب سلطة الرقابة عبر إطارات ومجالس مدنية مستقلة عن سلطة ومؤسسات الطبقة الحاكمة، مجالس مدنية تتشكل كسلطة مضادة (Un Contre-Pouvoir) لحماية الشعب والمجتمع من جميع أشكال الاستبداد والسلطوية ومن استغلال النفوذ.
والديمقراطية الحقيقية تُـحَـقِّـقُ دون تماطل المساواة في حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية، السياسية والمدنية، الثقافية والبيئية، بين جميع المواطنين والمواطنات، ومساواتهم رجال ونساء في الحياة وفي الاستفادة من ثروات البلاد وأمام القانون ومساواة المرأة والرجل في كل الميادين، وتُحَقِّق الديمقراطية الحقيقية محاسبة المسئولين عن تقرير وتدبير الشأن العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وعدم إفلاتهم من العقاب كلما ارتكبوا جرائم سياسية أواقتصادية أواجتماعية.
والديمقراطية الحقيقية تحقق الحرية وكرامة الإنسان واحترام حقوق الإنسان وضمان واحترام الحق في الاختلاف السياسي والثقافي بين كل مكونات التشكيلة الاجتماعية وبين التصورات الديمقراطية التي لا تربط الممارسة الديمقراطية بالدين أو بالأصل أو بالجنس أو باللون أو بالفئة الاجتماعية-الثقافية (catégorie socioculturelle).
والنظام السياسي الـْمُجَسِّد للديمقراطية الحقيقية تتحقق فيه نفس شروط الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لجميع أفراد المجتمع، نساء ورجالا وأطفالا، وفق احترام كامل لمبادئ أساسية:
– مبدأ حقوق الإنسان كأرقى فلسفة وممارسة بلورتها الإنسانية والتاريخ الإنساني.
– مبدأ الحريات الفردية
– مبدأ الحريات العامة
– مبدأ الأغلبية الذي لا تقصي الأقلية، بل تدافع عن حقوق هذه الأقلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
– مبدأ الدستور والقانون يتبلوران وفق مبادئ الديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان في أرقى صيغها التي حققها كفاح ونضال الشعوب والإنسانية.
– مبدأ فصل الدين عن الدولة والسياسة، وفصل السياسة عن الثروة والقَـبَـلِـيّـة.
– فصل حقيقي للسلط التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلام العمومي.
– استفتاء الشعب باستمرار في القضايا الأساسية التي تهم حياته وتؤثر على واقعه الملموس.
– تعددية سياسية حقيقية وليست مزيفة أي تعددية مؤسسة على مشاريع سياسية مجتمعية ديمقراطية ومرتبطة بالمصالح الطبقية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية لطبقات المجتمع.
– ضمانات دستورية وقانونية وإجرائية فعلية، ومُـمَارَسَة لاحترام الحريات الفردية والجماعية وحرية الرأي والعقيدة والمساواة الشاملة بين الرجل والمرأة.
– استقلال تام وكامل للسلطة القضائية والقضاة ينتخبون.
– ضمان تعليم عمومي مجاني علمي، ينشر الوعي الديمقراطي الاجتماعي والثقافي والفكر النقدي، وثقافة احترام الاختلاف، وثقافة المواطنة والتضامن، وروح المشاركة السياسية والثقافية والاجتماعية في قضايا المواطن والمواطنة والمجتمع والإنسان.
– ضمان حق العلاج والاستشفاء في مستشفيات عمومية مجانا للطبقات الشعبية، تقدم خدمات صحية استشفائية عالية الفعالية والكفاءة، ومجهزة بأحدث أجهزة الفحص الطبي، وبمختبرات تحليل متطورة، واعتبار الأدوية قيمة إنسانية لإنقاذ حياة الإنسان وعلاج آلام المرض وليست تجارة.
– ضمان سكن لائق للفئات الشعبية والمحرومة في أحياء نظيفة، تحترم البيئة وجمالية فضاء الحي، أحياء تصون أمن المواطنين والمواطنات وكرامتهم وإنسانيتهم.
– إعادة بناء القرى والسكن في البادية والمناطق النائية والجبال، مع مراعاة المعمار وثقافات المناطق المحلية وإنجاز بنيات تحتية وطرق وتمكينها من مرافق اجتماعية وصحية ورياضية وثقافية.
– تحديد وحصر المِـلـْكِـيَّـة الخاصة والثروة في حجم مناهض للثراء الطبقي، ولاستغلال الإنسان للإنسان، ولاقتصاد الريع وفرض ضريبة على الثروة.
– حماية الثروات الطبيعية المنجمية والبيئية والبحرية الوطنية والحفاظ عليها، وتصنيع الثروات المنجمية الموجهة للتصدير، والحفاظ والعناية بالأراضي الفلاحية، وتطبيق إصلاح زراعي يحقق العدالة بين الفلاحين ويضمن الأمن الغذائي للشعب المغربي وتقدم البادية، وتوزيع الأراضي التي استعادها المغرب من المعمرين الاستعماريين، واستعادة الأراضي التي مَنَحَـها الحكم للنخب السياسية أو استولت عليها طبقة الإقطاع والقياد، لتوزيعها على الفلاحين الفقراء والفلاحين بدون أرض. وتجريم تبذير وتبديد هذه الثروات، وتجريم استغلال النفوذ والسلطة للاستيلاء عليها، وتجريم حرمان الشعب من عائداتها المالية.
– احترام الاختلاف الديمقراطي بين أفراد الشعب وبين القوى السياسية والاجتماعية والثقافية، ومناهضة التمييز بسبب الثقافة أو الدين أو العرق أو الأصل أو الجنس أو الثروة.
ولتحقيق تصور الديمقراطية الحقيقية لابد من تجاوز الديمقراطية التمثيلية بمفهومها الليبرالي الغربي التي تَـحْرِمُ طبقة البروليتاريا والفئات الكادحة الشعبية من السلطة. في حين أن الديمقراطية الحقيقية لا تحرم طبقة البروليتاريا والفئات الكادحة الشعبية من الثروة، ومن سلطة تحقيق سيادة الشعب التي يمارسها وفق عدة آليات ومؤسسات وصيغ ديمقراطية:
– الاستفتاء.
– آلية مجالس محلية شعبية للمواطنين وللمواطنات تهتم فعلا بقضايا المواطن والمواطنة والمجتمع، ومبادرات شعبية وفق المبادئ السالفة الذكر. وتكون اقتراحات هذه المجالس ملزمة للدولة وإداراتها ومؤسساتها المحلية والوطنية المنتخبة. وهي مجالس المواطنة والديمقراطية في الأحياء والقرى، لاقتراح أفكار، ولمراقبة ولنقد سياسة وبرامج وممارسة المجالس المحلية المنتخبة. وينبثق بآلية ديمقراطية عن المجالس المحلية في المدن والقرى، مجلس وطني له مهام مراقبة السياسات الحكومية وسلطة اقتراحية ملزمة للدولة والحكومة وإداراتها ومؤسساتها الوطنية المنتخبة.
– عرائض، وفق المبادئ السالفة الذكر، تكون لها قوة التحول إلى قرار سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي ملزم للحكومة.
– قانون يضمن حق المواطنين والمواطنات الناخبين في إقالة ممثل دائرتهم، محليا ووطنيا، إذا ثبت فساده المالي أو الاقتصادي أو استغلاله للنفوذ لمصلحته أو لمصلحة أقربائه أو للإثراء اللامشروع.
هذه الآليات والمؤسسات تمكن المواطنين والمواطنات من المشاركة المباشرة والمستمرة في القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولا مجال في هذه الديمقراطية الحقيقية لامتيازات سلطة الإدارة، أو المال، أو الجاه، أو الأصل، أو الجنس، أو اللون، أو الموقع الاجتماعي، أو أي شكل من أشكال التمييز بين المواطنين والمواطنات.