الديمقراطية و القطار و التلفون.
عنوان قد لا أرى أنه متناسق ان قرأته على إحدى صفحات المواقع الإخبارية التي اتابعها. و رغم انطباعي كقارئ، أرى أنه من الصعب إختيار عنوان آخر. بعد أن ولجت محطة القطار بمراكش و اتجهت صوب العربة المسجل رقمها على التذكرة، كانت مجموعة من المسافرين ترافقنني في هذا المسير الجماعي الحثيث بكثير من الإصرار و الهدوء. ولكن الاستثناء يرافق كل المسيرات و يحدث تلك الحالة التي تخرج الناس من محاولة الإفلات من سماع رسائل بعضهم إلى من يوجد في مكان غير بعيد عن القطار و السكة و السفر.
الصوت يرتفع و يلاحقني بعنف و الجموع تسير في إتجاه العربات. ألاحظ دائما أن محطة القطار المراكشية الجميلة ،و التي تتسع للمئات ، كثيرا ما يحدث فيها ازدحام مصطنع. يصر مسؤول المحطة على أن يمر جميع المسافرين عبر باب واحد و تحت إشراف مراقب واحد و من خلال ممر واحد، قبل أن يصعدوا إلى القطار. هل هي عادة مراكشية، و لا أظن ذلك، أو قلة اجتهاد للاستمرار في الاحتفاظ بالمسافر، أكبر وقت ممكن ، قبل أن يغادر الساحرة الحمراء مراكش.
فلنرجع إلى الصوت الذي كان يلاحقني أثناء البحث عن رقم عربة القطار. الكلمات كانت تحمل نبرة حادة و توجه الأوامر للطرف المتلقي للمكالمة إلى أن ينتبه إلى ما يفعله ” قائد المقاطعة ” لكي يكثف من تسجيل غرباء في سجل الساكنين بذلك الحي أو القرية التي لم أسمع عن موقعها بمراكش و محيطها. الكلام كان جافا و مستهجنا لذلك القائد، رجل السلطة، و القادر، حسب صاحب الصوت المرتفع في محطة القطار، على تغيير موازين قوة الأصوات التي سيتم التعبير عنها في انتخابات قادمة عاجلا أم آجلا. لا أقوى كثيرا عن تحمل استفزاز الكلمات منذ زمان و خصوصا حين يتعلق الأمر بالسياسة و ما يصاحبها، تلفونيا، من استعراض للعضلات. التفت بسرعة لكي أتعرف عن مصدر الصوت. التقطت الملامح و الطول و العرض و شكل التعبير فوجدتني أرى نموذجا لمن أصبحوا أشكالا تجلس في مجالس القرار السياسي ببلادي ، يقررون و يرفعون الأصوات و يصل بعضهم إلى الانضمام إلى قيادة العمل التنفيذي و التشريعي بكثير من الجرأة و الجسارة و بالقليل من التواضع و المعرفة و الأخلاق و المهنية و التجربة السياسية في نبلها و ليس في دناءة ممارستها. مربوع القد ، منفوخ الخد، مرتفع الصوت، كثير السحت، ممتهن الكذب، مصطنع الغضب و مصرا على الحصول على كل الفوائد كلما جمعته الندوات على الموائد. هكذا هو شكل من يريد منع قائد مقاطعة أو دائرة أو رئيس مصلحة أو مدير مؤسسة أو عامل إقليم من أداء مهامه دون استجابة لهوى سياسي المبتغى و عديم القبول بقيم المواطنة كمنتهى.
ما ارذل الأخلاق إذا صار أصحابها يمتهنون الرذالة من أجل مصلحة لا تقيم للقيم الوطنية وزنا و لا ثقلا. في ماض قريب، كان الشباب خزانا لرفض الممارسات التي لا تحترم الوطن و المواطن. و لكن الحالة الآن تفرض وقفة تأمل و تحليل رزينين. ليس المهم أن ننصب أنفسنا كقضاة على جيل جديد من المسؤولين و لكن أن نفهم شكل خطابهم و أن نعمل، كل حسب موقعه، لإعطاء مدلول عملي لممارسة السياسة. من حق كل شاب أن يصل إلى أعلى مستويات المسؤولية و لكن ليس من حقه أن يحذو حذو أولئك الذين جعلوا من ممارسة السياسة وسيلة للاغتناء و محاولة تدمير ثقة المواطن في مؤسساته. المعركة ضد هؤلاء طويلة و صعبة. لكنها ضرورية و إستراتيجية.