آخر الأخبار

الذكرى 102 لمعركة أنوال

أيوب هداجي

يخلد الشعب المغربي، ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير، اليوم الجمعة، الذكرى الثانية بعد المائة لمعركة أنوال المجيدة، التي تعد مناسبة لإستحضار صفحات مجيدة ووضاءة في سجل الملاحم الوطنية من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية. وقد حقق المقاومون والمجاهدون المغاربة الأفذاذ بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، في هذه الملحمة المجيدة، انتصارا كبيرا على قوات الاحتلال الأجنبي.

أيام قليلة قبل 21يوليوز 1921، وبالرغم من تهديدات المقاومين له بعدم الإقدام على تلك الخطوة، عمد الجنرال الإسباني سلفستري إلى التوغل بقواته في عمق منطقة الريف، نحو جبل أبران، فوجد المقاتلين له بالمرصاد، إذ اقتحموا طليعة جيشه وقضوا على معظمها. ستثير هذه الضربة حنق الجنرال، الذي سيصر على التوغل أكثر نحو الشرق ملاحقاً مقاتلي الخطابي في أنوال، بجيش يفوق تعداده 28 ألف جندي. هذا بالرغم من تحذيرات السلطات في مدريد له بعدم الاستمرار في التقدم.

ومع دخول سلفستري لأنوال، وقع في فخ المقاومة التي عمدت إلى محاصرة حاميته وقطع خطوط الإمداد القادمة من مليلة، مع القيام بهجمات خاطفة تضعف خطوط العدو وتقلق راحته. وبعد أن كثر المصابون في صفوف جيشه وشحت المؤونة، أقدم الجنرال الإسباني على خطوة متهورة أخرى، حينما قرر شن هجوم كاسح على المقاومة.

يومها، بدأ الإسبان في قصف محيط معسكر الثوار بالطائرات والمدافع، في هجوم كان قد علم به محمد بن عبد الكريم الخطابي قبل وقوعه، ما منحه أفضلية الجاهزية. ومساء اليوم نفسه هاجم عدد من المرتزقة خنادق المجاهدين، غير أن سقوط قائدهم جعل بقية المرتزقة ينسحبون من المعركة عائدين صوب الحامية الإسبانية .

 

وبعد هذا الهجوم الفاشل، تيقن الخطابي أن سلفستري سينسحب إلى ما وراء أنوال، لذلك أصدر أوامره بقطع خط الانسحاب والسيطرة على جميع المسالك المؤدية إلى المراكز التي يسيطر عليها الإسبان، عبر تمركز القوات الثورية وكمونها على المرتفعات وقمم التلال والأحراش. فيما رفض سيلفستري التفاوض مع المقاومة المغربية، وقرر الانسحاب عشوائياً، كي تتلقَّف قواتِه بعدها كمائنُ الثوار وبنادقهم التقليدية.

 

وتجمع مصادر تاريخية أنه سقط في تلك المعركة أكثر من 18 ألف جندي إسباني، بمن فيهم سيلفستري، الذي كان يراقب انسحاب الجيش من أنوال على قمة مرتفعة وهناك لمحه أحد الأهالي المسلحين، فتسلل نحوه وأطلق عليه النار فأرداه قتيلاً. ولم ينجُ من أنوال سوى فرقة بقيادة جنرال يدعى نافارو، كانت قد تُركت لتغطية الانسحاب، نجحت في الفرار من كماشة المقاومين نحو الشرق، إلى منطقة جبل العروي، حيث جرت ملاحقتها والقضاء عليها بعد أسر قائدها.

 

ويذكر عبد الكريم الخطابي في مذكراته متحدثاً عن انتصار أنوال: “ردت علينا هزيمة أنوال 200 مدفع من عيار 75 أو 65 أو 77 ، وأكثر من 20 ألف بندقية، ومقادير لا تحصى من القذائف وملايين الخراطيش، وسيارات وشاحنات، وتمويناً كثيراً يتجاوز الحاجة، وأدوية، وأجهزة للتخييم، وبالجملة، بين عشية وضحاها. وبكل ما كان يعوزنا لنجهز جيشاً ونشنَّ حرباً كبيرة. وأسرنا 700 أسير، وفقد الإسبان 15 ألف جندي ما بين قتيل وجريح”.

 

ووصف الكاتب المغربي حسن أوريد، ملحمة أنوال، بأنها كانت ” كان أولَ انتصار للمستضعَفين بعد أن أطبقت القوى الاستعمارية قبضتها على العالم. استطاعت فئة من المجاهدين ببنادق قديمة أن تنتصر على قوة استعمارية بجيش نظامي، مع لفيف من المرتزقة”.

 

وبالرغم من انتصاره الكاسح على المستعمر الذي احتل بلاده وسعى إلى استعباد شعبها، ظل محمد بن عبد الكريم الخطابي متشبثاً بالقيم الإسلامية في معاملة الأسرى من الجيوش المحتلة بالرحمة والإنسانية الواجبتين. هكذا روت مصادر تاريخية عن كيف ترك سريره للجنرال الإسباني نافارو كي يستريح، بعد أن أسره المقاومون في معركة جبل العروي. وكذا تصريحات أسيرة أخرى للصحافة الإسبانية بعد أن سألها أحدهم: “هل تشعرين بالخوف هنا؟”، لترد: “مِمّ أخاف؟ إننا نلقى معاملة طيبة وليس هناك ما نشكو منه”.

 

أدت هزيمة أنوال إلى تحرير منطقة الريف بأكملها، بعد سقوط مراكز الجيش الإسباني واحداً تلو الآخر، وصولاً إلى مليلة، التي كان من الممكن تحريرها من طرف عبد الكريم الخطابي، لولا أنه فضَّل التراجع لإعادة بناء جيشه وتنظيم مناطق نفوذه تكتيكيا وعسكريا .

 

في مدريد، التي تداعت تماماً مؤسساتها أمام وقع الكارثة الهائلة، أدت الهزيمة إلى صعود نجم جنرال أرستوقراطي يدعى بريمو ريفيرا، فقد أخاه هو الآخر في أنوال، وكانت حصيلتها المخزية علة لإعلانه عصياناً عسكرياً أسقط الحكومة الإسبانية وقتها، وأسس لديكتاتورية عسكريَّة حكمت البلاد بقبضة من حديد. تلك القبضة الحديدية التي لم تدم طويلاً، وكانت سبباً في تهاوي الحكم الملكي أمام ضغط الجمهوريين الإسبان، وتأسيس الجمهورية الإسبانية الثانية.

 

لكن هذا الحكم العسكري لم يتهاوَ إلا بعد أن دخل فيما أسماه “حرب استرجاع” مستعمراته بالريف المغربي.

 

وتحالف مع القوات الاستعمارية الفرنسية، خاضت الجيوش الإسبانية حربَ إبادة جماعية ضد المدنيين الريف، من أجل إرغام عبد الكريم الخطابي على الاستسلام مقابل إيقاف فظاعاتها. مستعملين في ذلك شتى الأسلحة المتطورة، من طائرات ومدفعية. وكذلك أسلحة كيماوية، على رأسها غاز الخردل. مخلفة آثاراً ما زالت مستمرة إلى الآن، حيث تسجل منطقة الريف أعلى نسبة في الإصابة بالسرطان، يجمع ناشطون على ربطها بالأسلحة الكيماوية التي قصفت بها المنطقة.