*مصطفى المنوزي
قرر الملك التوقف عن توجيه الخطاب المخصص لذكرى ثورة الملك الشعب ؛ قد لا تهم الأسباب ، ولكن من حق الشعب المغربي أن يتوجس من التداعيات السلبية ، لأنه أكيد هناك إيجابيات قد تكون مرتبطة بظروف سياسية وجيوستراتيجية أو أخرى شخصية وخاصة أوسيادية عمومية كثيرة ؛ لذلك فبعد سبعين سنة وبالرجوع إلى أكثر من خمسين خطاب يتبين بأن أغلب القرارات والمقترحات المصيرية والمهيكلة للسياسات العامة والسيادية قد تم الإعلان والتعبير عنها ، تاريخيا ، عبر آلية الخطاب الملكي وبهذه المناسبة بالذات ، في حين كان خطاب العرش يركز على المنجزات والتذكير بالعروض السياسية و الحصيلة ، إنما كان خطاب عشرين غشت خطابا للرسائل وبمثابة إطلاق دينامية للنقاش العمومية وإشارة رمزية لفتح باب المبادرات في إطار بعض السياقات التي يسمح بها ما يسمى بالإنفتاح النسبي مقابل المساهمة في التعبئة والإستفتاء الداعم .
صحيح أنه مطلوب من المؤسسات المختصة ، التخفيف ، على مستوى الكم ، من تضخم الخطابات وتكرار مناسباته المرهقة أحيانا ، ولكن الخوف كل الخوف أن يؤثر قرار إلغاء الخطاب على دلالات المناسبة ومحتواها وبالتالي تتأثر قوة المناسبة السياسية والرمزية في العلاقة مع أسباب النزول ؛ فحدث الثورة تحول ، بالتراكم المنتج للحقيقة الوطنية ، إلى مسلسل من تعاقدات تؤطر كل المبادرات التوافقية وتؤسس لكل التسويات ، رغم أن التعبئة نادرا ما تكون من أسفل ، وحتى إن حصلت فإنها ” تحتكر ” من قبل النخبة . ومن بين المخاطر التي تؤكد التوجسات خلق بيئة سانحة ومؤهلة للتراخي عن الإحتفال والإحتفاء ، في أفق التطبيع مع كل الإجراءات التي تروم مأسسة النسيان والقطع مع التاريخ التحرري الوطن . وفي نظرنا للخطاب الملكي وقعه أكثر من المناسبة ذاتها ، كلما تضمن مؤشرات الإنفراج وبوادر حلول للأزمات السياسية أو لاحتقان اجتماعي . هكذا سيصير موعد الذكرى مجرد لحظة للتذكر واسترجاع وقائع منتمية لماض كان ! والحال أن الحضور يوازي الجلوس من زاوية مشروعية السياسة وشرعية السياسي .
وفي إنتظار أن ينضج النقاش حول هذه الواقعة المفاجئة ، من أجل بلورة بدائل تجود آلية الحوار والمشاركة السياسية التفاعلية ، خاصة من قبل حماة الذاكرة والوطنية ، والتي سوف تصنف في تاريخ الوطن ضمن ” السرديات الأمنية ” ، لأن إلغاء الخطاب كقناة نادرة للتواصل ، واقعة نتصورها متسرعة وغير مطمئنة ؛ وهي بمثابة وسيلة هدفها التهييء لإلغاء مناسبته ( أي الخطاب ) ، وضمنيا تفويت فرصة تواصلية وتعاقدية بين الملك كمؤسسة والشعب كتعبيرات ؛ بغض النظر عن حسن النوايا ، فلا شكل دون محتوى ؛ في إنتظار ذلك ، نقترح أن يُحتفظ بالذكرى وبالعطلة والطقوس التي ترافقها رسميا ، خصوصا وأنها تستحضر معها أمجاد ملحمة الإنتفاضة المغاربية 20 غشت من سنة 1955 ، والمعروفة بانتفاضة سكيكدة / واد زم ؛ مع إمكانية إستبدال الخطاب الموجه مباشرة ، وتعويضها برسالة / نص مكتوب يلقيه أحد مستشاري الملك أو أي شخصية وطنية مقبولة ؛ رسالة تتضمن على الأقل تذكيرا بتضحيات المغاربة الجسام من أجل تحرر الوطن وانعتاقه . كما يتوجب الحفاظ على إمكانية توجيه خطاب مباشر بين الفينة وأخرى ، أي كلما توفرت الشروط ، أو اقتضت الظرفية والسياق الوطني أو الدولي ذلك . ولأن المناسبة شرط فقد وجب رد الإعتبار لمطلب حفظ الذاكرة على أساس أن تاريخنا المشترك تاريخ أمة وشعب عريقي الكفاح والتضحيات متعاقدة مع ملكية حامية للسيادة وضامنة للوحدة ، في ظل مسلسل ملامح الوحدة فيه ومطالب التحرر والديمقراطية والحقيقة الوطنية لم تكتمل حلقاته بعد رغما توفر الإرادات هنا وهناك .
*منسق منتدى ضمير الذاكرة والسرديات الأمنية ..