إدريس الأندلسي
ليس سهلا أن يبرز إسم مسؤول في قطاع ما و يحافظ على صورته و التقدير الذي حظي به خلال خطواته الأولى في مجال المسؤولية. استمرارية الإنجاز في ظروف غير صعبة لا يوجد إلا في الأحلام و خصوصا في مجال المالية العمومية و تسيير ” حلبات ” كرة القدم. توازنات الكرة لها حمولات معقدة ومتعددة الأبعاد. من نفسية الجمهور إلى طموحات اللاعب و المسير و وضعية البنيات الرياضية، تظهر العقبات و معها قدرة المسؤول على النجاح أو الغرق في بحر تبريرات الفشل. هذا مجرد مدخل للكلام عن الرجل المناسب و بالطبع المرأة المناسبة. هذه الصفة لا تلصق بالصدفة بشخص ما و لا يتم التركيز عليها إذا لم تقترن بالإنجاز.
فوزي لقجع لم يدخل مجال التدبير المالي من النافذة أو عبر توصيات. دخل عبر أصعب الأبواب و هي باب الإمتحان الأصعب المؤدي للقبول في المفتشية العامة للمالية. هذه المؤسسة العليا للرقابة المالية لها تاريخ و لها خاصية ازدواجية الإمتحان. بعد قضاء سنتين يخضع المفتش المتدرب لامتحان الكفاءة كتابيا و شفويا تحت إشراف لجنة عليا يراسها وزير و تضم كفاءات عليا أغلبها لا تربطها علاقات إدارية أو مهنية مع المفتشية العامة. قضى فوزي لقجع سنوات في ممارسة مهام التفتيش و الافتحاص قبل أن يلتحق بمديرية الميزانية كرئيس قسم. ثابر و اشتغل لسنوات طويلة قبل أن يتم تعيينه على رأس مديرية الميزانية. من يعرف نوعية الضغط المرتبط بمهام هذه المديرية يقدر نوعية الإلتزام المطلوب من المسؤول و الاطر التي تعمل إلى جانبه. ساعات العمل لا علاقة لها بالساعات و لا بالعطل الرسمية. و كل هذا لم يثني فوزي لقجع عن الإستمرار في الالتصاق بفريق مدينته بركان و يواكب مسيرته بكثير من الجهد و العشق.
كنت من بين من فجاءهم تقدم لقجع لانتخابات جامعة كرة القدم في ظروف صعبة قبل سنوات. كيف لإنسان، مهما كان حبه للكرة، أن يختار مغامرة غير مضمونة العواقب و هو المثقل بملفات تدبير ميزانية الدولة. سألته خلال إحدى البرامج الاذاعية ، و كان مرهقا بعد أسبوع عمل و مرافقة الفريق الوطني إلى بلد أفريقي، عن مدى قدرته على الجمع بين مسؤوليتين كبيرتين. كان جوابه متواضعا و همه الكبير هيكلة الجامعة و بناء فريق وطني قوي دون أن يعبر آنذاك عن طموح أو الإستمرار في قيادة الجامعة. لكن جرت الرياح بما يشتهيه كل مغربي و كان الموعد مع النجاح و النتائج. كان التأهل إلى كأس العالم بموسكو بعد انتصارات قوية تحقق آخرها التأهل من قلب ابيدجان على فيلة كوت ديفوار. و بعد أربع سنوات كتب أسود الاطلس سمفونية النية و الابهار أمام أنظار العالم. و لا يمكن أن نعتبر هذا الحدث بعيدا عن آثاره على نفسية المغاربة و على موقع المغرب الإقتصادي و الدبلوماسي .
و زاد الزخم الكروي و إشعاع المغرب الرياضي مع ما تم تحقيقه خلال أيام قليلة. إجماع تلاه إجماع، من قاري إلى عالمي سجلت بلادنا حضورا أفرح الكثير من دول العالم بإستثناء طبقة سياسية تهيمن على خيرات شعب شقيق و جار. أتذكر خطاب ملك البلاد حين قال” أللهم كثر حسادنا” . انهم كثر في قيادات الجزائر و لا يزيدنا حسدهم إلا إصرارا على التميز.
ولكي يستمر المسير يجب علينا كمغاربة أن نناضل من أجل حكامة ديمقراطية قوية و أن تعم ثقافة ” الرجل المناسب في المكان المناسب” في أحزابنا و اداراتنا و مؤسساتنا الرسمية و المنتخبة. حين عين ملك البلاد فوزي لقجع رئيسا للجنة كأس العالم 2030، بعد تعيينه رئيسا للجنة كأس أفريقيا 2025، فإنه أعطى إشارة قوية في مجال دعم الحكامة و تحصينها بالكفاءة. مساهمة المغرب في تنظيم كأس العالم مناسبة لرفع تحديات كبيرة للوصول ببلدنا إلى مصاف الدول الصاعدة. أتذكر آثار تنظيم كأس العالم بإسبانيا سنوات بعد غياب الدكتاتور فرانكو و وصول حكومة فيليبي كونزاليس سنة 1982 و الذي قفز بإسبانيا إلى مصاف الدول المتقدمة بعد دخولها إلى ما كان يسمى بالسوق الأوربية المشتركة.
و لا يمكن أن لا نعير بعض الإهتمام إلى ثقافتنا الشعبية في ربط النجاح الجماعي بما نسميه ب” أقدام الربح” . كثير من المغاربة يقولون أن فوزي لقجع كان “قدم سعد” على الكرة المغربية. من منا لا يتمنى أن يكون قدم سعد على تحسن مواردنا المالية و زيادة القدرة الشرائية للمواطنين و التغلب على عجز الميزانية. هذه تحديات تحتاج للمرأة و الرجل المناسبين للمسؤولية لوضع سياسات عمومية مستجيبة لحاجيات الوطن و المواطن و السهر على تنفيذها و اخضاعها للمتابعة و التقييم و المحاسبة.