الحنين للزمن القمعي الغابر وكأننا لانستفيد من الماضي.
ماوقع مؤخرا في ظل الحجر الصحي و الرأي العام منشغل بتتبع مؤشرات التطور وانتظار الإفراج المرحلي والمتدرج عن المواطنين ليخرجوا من هذا النفق الضيق، من أجل ممارسة حياتهم الإعتيادية. وهنا لاتفوتني الفرصة لأستحضر ملاحظة آلمتني كثيرا أبداها صديق بشكل عابر لكنها صادمة. كيف نريد تطبيق الحجر على بيوت تشبه لحد بعيد سجون تضيق فيها الأنفس وأغلب أوقات ساكنيها خارجها. بل هناك من يتناوب في استعمالها. الجائحة أربكت هذه الحسابات وهذه الجدولة. في ظل هذه الاوضاع ،هناك من يتقن ثقافة الإشتغال في العتمة و الغفلة والمباغثة و المنطق الإنتهازي وإلا بماذا نفسر مقاربة الحكومة للقانون المعلوم والسياق الزمني الذي حكمه ، هل ماوقع يناسب المرحلة بالنظر إلى مراميه وأهدافه ؟ إن لم تكن تحكم هذه المقاربة منطق مافيوزي يهدف لمصادرة حرية التعبير ،وتكميم الأفواه المزعجة التي واجهت لوبيات اقتصادية وسياسية على حد سواء وأسقطتها في ساحة المواجهة .
سنفرض جدلا الاحتمال الغالب الذي يريد منا البعض أن نهضمه في هذه الأجواء المشحونة والمتسمة بتضارب المصالح وكذلك المعلومات ودرجة التعتيم التي تريد جهات أن تلقيه في الساحة من أجل التستر على فضائحها وزلاتها. من موقع صفتي مواطن له الحق في إبداء رأيه في النازلة التي قلبت كل المعادلات وأبانت عن نوايا قمعية الغرض منها تكميم الأفواه ومصادرة حق التعبير لشريحة مهمة من المجتمع الذي يعتبر فضاء التواصل الإجتماعي متنفسه الوحيد للحرية وابداء الرأي. وهذا لايعني بالضرورة أنني أتفق مع خردة الترهات التي تنشر هنا وهناك من التفاهات والتي تسعى للتمييع والتجهيل ،لقد ظهر جليا أن هناك من يدعمها ويوفر لها مجالات للتوسع والترويج وبشكل استثنائي لتعطي الإنطباع أنها تمثل غالبية المجتمع وهو أمر غير صحيح و هذه الفئة رغم الدونية التي تتصف بها من حيث المحتوى والمضمون السوقي والساقط الذي يحلو للبعض أن يصنفه ضمن تلفزة الواقع وهو أمر غير صحيح وتجني على جانب له رواده. لانريد لأحد مصادرتها بل نحتكم معها إلى ساحة الشعب ليحكم عليها و الأكيد أنه سيلفظها في الأخير من أجل أن تأخذ حجمها الحقيقي بدون دعاية ولادوباج. فالحكم في تبني فكرة أو دحضها تبقى في الأول والأخير للشعب وليس لمقص الرقيب أو قانون يحد من الحريات ويكبلها ويصادر حق الناس في التعبير عن موقفهم من بضاعة معينة أو خدمة ما ،الوزير الذي تشير اليه الأصابع أنه معني بدرجة أولى بهذا التقرير يضعنا أمام سؤال مهم ومحوري :
هل يمكن للمال أن يؤسس للسياسة ليأخذ دورها ؟
من له المصلحة في تقويض المعالم والمرامي النبيلة للسياسة ليحتل مكانها أصحاب ” الشكارة ” ؟
دعاة هذا الإتجاه تلقوا الرد المقنع من الشعب بالمقاطعة وغيرها من أساليب المقاومة والرفض . كنا نعتقد أن السياسة فن الإستماع لنبض الشعب ونقله بصياغة ناجعة إلى تصور وقرار يلبي انتظاراته ،كنا نتمنى وننتظر كذلك أن تمتلك الحكومة الشجاعة يوما وتدرج القوانين القابعة في أدراجها المحكمة الإغلاق دون أن يجرؤ أحد و ينبش في ثناياه. كنا سنزداد ثقة بإدراج قانون الضريبة على الثروة قانون الإثراء الغير مشروع و قانون يحدف الريع السياسي والضريبي وكل ما يعطي الإنطباع ويطمئن المواطن أننا فعلا في حكومة شعبية لصيقة بهمومه وانشغالاته عوض الإعتماد على المداخيل الضريبية من جيوب المواطنين، نريد حكومة ترشد النفقات وتحذف الإمتيازات. لكن في كل مناسبة تحدث فيها ضجة إلا وينقص هذا المنسوب ولانستفد من الدرس.
المهم لنرجع للسيناريو الذي أصبح أكثر رواجا ونقم بتحليله :
نعتبر وزير العدل هو من بادر بصياغة مشروع القانون المشؤوم الذي يعتبره جل المتتبعين ردة حقوقية وانتكاسة تعيدنا لسنوات الرصاص خدمة لأجندات وأهداف معينة. وهنا نسجل أنه من سوء الصدف أن تحرق ورقة سياسية ذات مرجعية حقوقية وبحمولة وتراكم رموز الحزب الذي ينتمي إليه السيد الوزير وهو مادفع بالبعض بأن يطالبوا المعني بالأمر بتقديم استقالته. وهي نقطة تسجل في مثل هذه المواقف . ولن تحجب حقيقتها بلاغات هنا ولاتصريحات هناك. الموقف كان سيء الإخراج إنها ورطة بما تحمل الكلمة من معنى ، لكن السؤال الذي يطرح في نفس السياق الوثائق المسربة توضح أن رئيس الحكومة ناقش الأمر وعوض رفض ادراجه من البداية لأنه حتما سيؤثر على صورة حققها المغرب في الآونة الأخيرة بكل مكوناته من خلال تعزيز مقومات التضامن والتآزر والتعبئة الجماعية لتخطي جائحة كورونا. لماذا رئيس الحكومة يضع نفسه في وضعيات تثير عليه كثير من الإحتجاج ؟ للجواب فالوضعية لها احتمالين اثنين لا ثالث لهما في اعتقادي المتواضع على الأقل :
الاحتمال الأول : أن هناك طريقة لاستدراج خصم سياسي لمعركة يتورط فيها و بالتالي تأجيج الرأي العام عليه خدمة لأجندة انتخابية وهو ما أعتبره شخصيا حسابا صغيرا أمام رهانات الشعب والدولة.
الإحتمال الثاني : أن الأمر دلس عليه بحيث يحمل عنوانا ومضامين مغلوطة يعني كما نقول بالدارجة “زرعوه ليه فالملفات “وبالتالي فهو فاقد للكفاءة من أجل ضبط منهجية العمل. وأن الحكومة تعيش وضعية هشاشة في بناء التحالفات ولن يستطيع الإستمرار في رفع التحدي. لأنها تحالفات تحكمها المصالح الضيقة والصفقات السياسية وليس مصلحة الوطن.
ذ ادريس المغلشي.