إدريس الأندلسي
كيف يمكن تفسير العلاقة بين جمال الثقافة و قبح العنف و بين التربية على الأخلاق و التسامح و توسع دائرة الحروب. الديانات التوحيدية تؤكد كلها على قيم المحبة لكنها تفعل كل آليات العنف حين تصطدم مع من يحاول تحويل حقائقها المطلقة إلى مجال النسبية و لو لم توجد نصوص قطعية الدلالة في كل الحالات الطارئة أمام البشر. العنف ظهر، حسب الروايات التوراتية، منذ أن ظهر مشهد اخوين من نسل آدم. و تبين الآية القرآنية كيف أن مخلوقا غير الإنسان علم قاتل أخيه كيف يواريه الثرى. إنها أول تراجيديا، حسب نصوص مقدسة، يعيشها الإنسان في صراع بين قابيل و هابيل حول تملك أغراض دنيوية. الأرض أول مجال خلق العنف و تملكها زاد من حدة الصراع و لو بين الإخوان. الأخلاق و مبادىء التعايش حول قيم العدل و المساواة ظلت نظرية و لم تكن لها سيادة على البشر إلا عن طريق العقاب حسب القانون المصنوع إنسانيا.
لنتحدى حروبا دينية في كافة بقاع الأرض و ما خلفته من ضحايا بالملايين لنتوقف عند حروب القرن العشرين. هذه الأخيرة خلفت أكثر من 200 مليون ضحية للإستعمار و العنصرية و محاولة السيطرة على العالم. و أغلب هذه الملايين من الضحايا سقطوا في أوروبا. من حرب عالمية إلى أخرى عم التدمير و زادت آثار الإستعمار على شعوب في القارات الخمس. و حين استثمرت أمريكا الحرب العالمية الثانية للاستيلاء على العالم بما فيها أوروبا التي خرجت منهكة من هذه الحرب، كانت مجبرة على قبول شروط خطة مارشال و قبول قواعد اللعبة المالية و الإقتصادية و التجارية المعروفة بقواعد مؤسسات بريتون وودز في ضواحي واشنطن. واستقر العنف في كافة المؤسسات عبر قواعد التصويت التي لا تعتمد على الأغلبية و لكن على قوة الأقلية. و هكذا تم خلق سلطة الفيتو في الأمم المتحدة و في صندوق النقد الدولي و في البنك الدولي. و أستمرت أمريكا في فرض العنف المالي عبر فصل الدولار عن قيمته بالنسبة للذهب و وصل الأمر إلى التسلط على الحريات في العالم بإسم المسؤولية التي تقود إلى محاكم أمريكا لمجرد تعامل بالدولار في أية نقطة في العالم. و هذا ما سمي ” بالشخصية القانونية الدولارية” . و هكذا فرض الغرب وجود إسرائيل عبر وعد بلفور بإسم الإستعمار البريطاني. و هكذا بدأت جريمة بإسم ايديولوجية إسمها الصهيونية لاغتصاب حقوق الفلسطينيين على الأرض و الشجر و الماء و العنب و الزيتون و الكلام و التفكير. و منذ بدء الاغتصاب توعد الغرب الضحايا بالمزيد من العذاب
و بين الدولار و الطائرة الشبح و الصواريخ النووية و حاملات الطائرات و السيطرة على وسائل الإتصال الحديثة و الذكاء الاصطناعي هناك روابط متينة. هذه القوة تؤكد أن الزوايا الميتة هي صانعة قوة الإمبريالية و قدرتها على صناعة العنف و شرعتنه عبر وسائل الإعلام الغارقة في سوق المال و تقلباتها. من كان يشك في صدقية جرائد ” لومند و ليبيراسيون و لو نوفيل اوبسيرفاتو” و كثيرا من الصحف الأمريكية و البريطانية يكفر بالتصريحات حول المساواة بين البشر. الصحافي الحر أجبر على طاعة صاحب راس المال و خدمة رغباته. قصف فلسطين و العراق و اليمن و لبنان يبدأ بالإعلام و بسلطة بعض كتاب الرأي. قصف مستشفى المعمدان في غزة يوصف بأنه من أفعال حماس مع العلم أن هذه الحركة لا تمتلك طائرات أمريكية. حتى بعض، من نعتبرهم مثقفين، مثل مستشار ميتيران السابق أطالي، المساند للصهيونية ، يرى بكثير من العناد أن الفلسطينيين هم من قصفوا المستشفى. قد يكون على صواب إذا سمحت إسرائيل لهم باستخدام طائراتها مؤقتا من طرف حماس.
الغرب يعيش في تناغم مع التزاماته إتجاه إسرائيل و لن يقف حجر عثرة أمام تنفيذ فظاعاتها. هذا الغرب يلتزم السكوت منذ عقود حين يسيل الدم الفلسطيني و يرتفع صوته حين يدافع المظلوم عن حقوقه. و هكذا يحكم الجاني على المجني عليه بإسم الحضارة و الثقافة و المبادىء العليا للقانون. و قد ينصب المشانق لمن قال “آه “على غدر العالم الغربي لجزء كبير من الإنسانية. و قد نصبت هذه المشانق بشكل جديد في بعض دول الغرب على شكل محاكم تفتيش لكل من يحمل في قلبه تضامنا مع الضحايا من الرضع و الأطفال و الشيوخ و النساء و أصحاب الرأي ضد العنف. أفيقوا يا من حملوا قيم الفصل بين السلط تقديس الحقوق و الحريات و تحركوا بشي من الضجيج في قبوركم عسى أن يسمعكم المرتدون من احفادكم.
كيف يمكن أن لا نقول لا للعنف الكبير الممارس من طرف دول كبرى. التناقض كببر في تعامل الغرب مع الأزمات و الحروب. حين يتعلق الأمر بأوكرانيا يهب الغرب عن بكرة أبيه لمواجهة روسيا. و حين يتعلق الأمر بفلسطين تغيب كل القيم و تصم الأذان و تبتلع الألسن و تسكت سلطات الدفاع عن القانون الدولي. فلسطين قد تؤثر على رأي عام عالمي لكنها قضية لا تهم من تسللوا إلى مراكز القرار السياسي من الزوايا الميتة لحضارة تموت ببطيء و تترك وراءها الكثير من القنابل الموقوتة ستنفجر بعد شهور أو سنين. و السبب في هذا اؤلئك الذين زرعوا الحقد و قتلوا و شردوا كثيرا من الناس. و هؤلاء لن يوقفوا مسيرة مؤكدة لإحقاق العدل مهما طال الزمن.