وضعت السلطات السودانية يدها على عدد من الكيانات المربحة التي وفرت الدعم على مدار سنوات لحركة حماس فيما يسلط الضوء على الحد الذي بلغه السودان في القيام بدور الملاذ للحركة الفلسطينية في ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وساعدت السيطرة على ما لا يقل عن 12 شركة يقول مسؤولون إن لها صلة بحماس في التعجيل بمواءمة وضع السودان مع الغرب منذ الإطاحة بالبشير في 2019.
وخلال العام الأخير فاز السودان بإخراجه من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب واقترب من الحصول على تخفيف أعباء ديون تتجاوز 50 مليار دولار.
وقال محللون سودانيون وفلسطينيون إن حركة حماس فقدت قاعدة خارجية كان من الممكن لأعضائها وأنصارها العيش فيها وجمع المال وتهريب السلاح الإيراني والأموال إلى قطاع غزة.
ونفت حركة “حماس” وجود أي استثمارات لها في السودان.جاء ذلك بحسب ما نقلت وكالة “الأناضول” للأنباء عن المتحدث باسم الحركة، حازم قاسم.
وقال قاسم: “لا يوجد لنا أي استثمارات في السودان”. وأضاف: “نؤكد أنه ليس لدينا أي مشكلة مع أي جهة سودانية”.
وتبين التفاصيل التي قدمتها مصادر رسمية سودانية عن الثروات التي تمت السيطرة عليها وكذلك مصدر في جهاز مخابرات غربي مدى اتساع عمل هذه الشبكات.
ويقول مسؤولون من مجموعة عمل شُكلت لتفكيك نظام البشير إن هذه الثروات تشمل عقارات وأسهما في شركات وفندقا في موقع ممتاز في الخرطوم وشركة صرافة ومحطة تلفزيونية وأكثر من مليون فدان من الأراضي الزراعية.
وقال المصدر في اللجنة التي تشكلت عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في نيسان 2019، إنه “تمت مصادرة شركات تتبع لحركة حماس وهي: حسان والعابد للإنشاءات والرواد العقارية إضافة إلى مشروع زراعي باسم البداية وفندق بردايس في وسط الخرطوم ومكتب للتحويلات المالية كانوا يستخدمونه لنقل الأموال إلى الخارج باسم الفيحاء”.
وقال وجدي صالح أحد الأعضاء البارزين في مجموعة العمل التي أُطلق عليها لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة إن السودان أصبح مركزاً لغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأضاف إن النظام تحول إلى “غطاء كبير ومظلة كبيرة داخلياً وخارجياً”.
وقال مصدر في جهاز مخابرات غربي إن الأساليب التي استخدمت في السودان شائعة في أوساط الجريمة المنظمة. فقد كان مساهمون مفوضون يترأسون الشركات وكان يتم تحصيل الإيجارات نقداً وإجراء التحويلات من خلال مكاتب الصرافة.
وكان البشير يؤيد حماس صراحة وربطته علاقات ودية بقادتها.وقال عضو في اللجنة مشترطاً إخفاء هويته: “حصلوا على معاملة تفضيلية في المناقصات والإعفاء من الضرائب وسُمح لهم بتحويل الأموال إلى حماس وغزة بلا قيود”.
كانت رحلة تحوّل السودان من دولة منبوذة إلى حليف أميركي تدريجية. ففي السنوات العشر التي تلت استيلاء البشير على السلطة في 1989 أصبح السودان مركزاً للمتطرفين الإسلاميين ووفر المأوى لأسامة بن لادن لعدة سنوات وفرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بسبب صلاته بالمتشددين الفلسطينيين.
وبعد ذلك حاول البشير أن ينأى بنفسه عن التطرف الإسلامي فعزز التعاون الأمني مع واشنطن.وفي 2016 قطع السودان علاقاته مع إيران وفي العام التالي تم إسقاط العقوبات التجارية الأميركية على الخرطوم بعد أن قبلت واشنطن بتوقف دعم الدولة لحركة حماس.غير أن الشبكات التي دعمت حماس ظلت قائمة حتى سقوط البشير.
قال مسؤول بلجنة تفكيك نظام 30 يونيو إن استثمارات حماس في السودان بدأت بمشروعات صغيرة مثل مطاعم للوجبات السريعة قبل أن تمتد إلى العقارات وقطاع الإنشاء.
ومن الأمثلة على ذلك شركة حسان والعابد التي بدأت كشركة للأسمنت وتوسع نشاطها إلى مشروعات كبرى في التطوير العقاري.
وتقول اللجنة إن هذه الشركات كانت ضمن شبكة فيها حوالى عشر شركات كبرى أخرى تتداخل ملكية الأسهم فيها وترتبط بعبد الباسط حمزة حليف البشير وكانت تحول مبالغ كبيرة من خلال حسابات مصرفية في الخارج.
أكبر هذه الشركات كان شركة الرواد للتطوير العقاري التي تأسست العام 2007 وتم إدراجها في سوق الخرطوم للأوراق المالية ولها شركات تابعة قال مصدر المخابرات الغربي إنها كانت تغسل الأموال وتتعامل في العملات لتمويل حماس.
صدر حكم على حمزة في نيسان بالسجن عشر سنوات بتهم فساد وتم نقله إلى السجن المحتجز به البشير في الخرطوم. وقالت اللجنة إن ثروته تصل إلى 1.2 مليار دولار. ولم يتسن الاتصال بمحامي حمزة الذي يمثل البشير أيضا.
وكانت شبكة ثانية تصل قيمتها إلى 20 مليون دولار تدور حول قناة طيبة التلفزيونية وجمعية خيرية منتسبة لها اسمها المشكاة.
ويقول ماهر أبو الجوخ الحارس الذي تمت الاستعانة به لإدارة طيبة إن القناة كان يديرها اثنان من أعضاء حماس حصلا على الجنسية وامتلكا مصالح أعمال وعقارات.
وأضاف أبو الجوخ إن القناة التلفزيونية كانت تهرب الأموال من الخليج وتولت غسل ملايين الدولارات.وفي اتصال مع رويترز نفى سامي أبو زهري المسؤول في حماس أن للحركة استثمارات في السودان لكنه سلم بوجود تداعيات للتحول السياسي في السودان قائلاً: “للأسف العديد من الإجراءات التي أضعفت حضور الحركة في البلد وحدت من العلاقات معها”.
بحلول العام الماضي كان السودان يعمل باستماتة على الخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو ما كان يمثل شرطاً لتخفيف أعباء الديون والحصول على الدعم من جهات الإقراض الدولية.
وتحت ضغط من الولايات المتحدة انضم السودان إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب في الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل وذلك رغم بطء تحركاته لتنفيذ هذا الاتفاق.
وقال دبلوماسي أميركي سابق تخصص في شؤون السودان في إدارة ترامب إن إغلاق شبكة حماس كان محور المفاوضات مع الخرطوم.
وسلمت الولايات المتحدة السودان قائمة بالشركات التي يتعين إغلاقها وفقاً لما قاله مصدر سوداني ومصدر المخابرات الغربي.
وامتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق.وقال المسؤول بلجنة تفكيك نظام 30 يونيو إن العديد من الشخصيات التي تربطها صلات بحماس توجهت إلى تركيا ببعض الأرصدة السائلة غير أنها تركت خلفها حوالى 80 في المئة من استثماراتها.
وقال المحلل السوداني مجدي الغزولي إن قيادات المرحلة الانتقالية في السودان “يعتبرون أنفسهم النقيض المباشر للبشير على الصعيد الإقليمي”.وأضاف إنهم “يريدون تسويق أنفسهم كأحد مقومات النظام الأمني الجديد في المنطقة”.
وقال المحلل الفلسطيني عدنان أبو عامر: “الانقلاب ضد البشير خلق مشكلة حقيقية لحماس ولإيران”.وأضاف: “حماس وإيران أصبح عليهما التفكير في بدائل، بدائل لم تكن موجودة لأن الانقلاب على البشير كان مفاجئاً”.