إدريس الاندلسي
أصبحت، منذ توليك وزراة العدل، مقبلا غير مدبر على وسائل الإعلام بما فيها المواقع التي يظهر أنها تثير غضبك. و بالفعل فالكثير من المواقع لا علاقة لها بقدسية الخبر و الحرية المسؤولة في التعليق عليه. لكن هذا المجال يحتاج إلى الكلام بجرأة عن المؤسسات الإعلامية التي لها موقع حقيقي في بلادنا. و أعني عدد القراء او المتابعين و نوعية التعاطي المهني مع الأخبار و حضورها في كل القضايا الوطنية. الكل يعرف و بالأرقام أن المجلس الأعلى و النقابة الوطنية تسير من صحافيين كبار و لكن باسم مؤسسات خفت اشعاعها منذ سنين. و الكل يعرف أن بطاقة الصحافة لا تأخذ بعين الاعتبار الإنتاج الحقيقي لمن يحملها و لا مستوى منتوجه من حيث المحتوى و خصوصا من حيث الشكل. جودة العمل الصحافي أصبحت كتلك الإبرة التي وجب البحث عنها في أصعب الأماكن…
ولكن كل هذا لا يمكن أن يبرر البحث عن الوسائل التي يمكن أن تساهم في حماية مصالح مؤسسات بلادنا ممن تسللوا إليها من خلال نظام انتخابي و تؤاطؤ بعض الأحزاب لتعطي التزكية دون رقابة أو سؤال أو مجرد شك منهجي في مصدر ثروات تراكمت. الترحال أصبح لعبة تتنافس على ربحها الكثير من الأحزاب. و الصراع داخل المؤسسات المنتخبة إنتقلت، بفضل وسائط التواصل ،من داخل القاعات إلى داخل البيوت. لن أشك في أنك تابعت المناظر الخطيرة و المقززة خلال انتخاب الكثير من الجماعات و كيف قال البعض أن حزبه باع المنصب الذي كان ينتظره لوافد جديد. لن أشك في أنك على علم بالمشادات الكلامية و تبادل اللكمات داخل الحزب الواحد و الصراع “الوجودي” من أجل الظفر بمنصب. و لا أشك أنك تألمت لضعف مستوى الكثيرين ممن تم تحميلهم مسؤوليات لا تقبل أن يتولاها أمي أو حاصل على شهادة متوسطة أو إنسان دون أية تجربة مهنية. و لكن كثير من هؤلاء يجلسون على كراسي القرار لا موجب لاختيارهم بشكل ديمقراطي. لذلك أتمنى أن تتجرأ على فتح القانون التنظيمي للجماعات الترابية و قانون الانتخابات. قلتها في ندوة مؤسسة الفقيه التطواني كما سبق أن قلتها من قبل، أن المسؤول الترابي و الموظف و حتى ذلك الذي يوجد داخل مؤسسات أخرى يخافون من التوقيع على أوامر الصرف و هذا صحيح. و السبب ليس هو الخوف من المحاسبة من طرف المجلس الأعلى للحسابات و المفتشية العامة للمالية و المفتشية العامة للإدارة الترابية. السبب في صلب الممارسة السياسية. هناك صراعات تشتعل بمجرد انتخابات المجالس حول موضوع تفويضات التوقيع في مجالات اختصاص رئيس الجماعة الترابية. و الموضوع ليس غريبا عن الإدارات و المؤسسات و المقاولات العمومية. كل القوانين الخاصة بالصفقات العمومية تحفل بالمقتضيات المتعلقة بالحالات الاستعجالية و هذا منذ إستقلال بلادنا. و لم تتغير شروط الاستعجال منذ سنين. المتغير هو استغلال مقتضيات الصفقات المستعجلة لأغراض غير مواجهة الحالات التي تتطلب التعبئة الفورية لكل الوسائل لمواجهة الكوارث الطبيعية. و للتأكد من هذا الاستغلال يمكن الرجوع، على سبيل المثال، لما قيل عن طلبات السيد الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بمراكش في قضية صفقات قمة المناخ التي احتضنتها بلادنا فبل سنوات.
الذكي هو من يفوض التوقيع و يظل ماسكا بالقرار بطرق أخرى يتقن استعمالها و من هنا يصبح الخوف من السقوط في المستنقع عنصر تقويض لخدمة مصالح المواطنين. و لكن ينسى من يحاول ضبط خارطة مخاطر تدبيره بأن من يصل إلى مستوى الشعور بالخطر الداهم هو من يبدأ بتسريب الملفات للجمعيات و للصحافة. و يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى وضع رسائل تحت باب المكتب المخصص للمفتشين و قضاة المجلس الأعلى تضم كثيرا من المعطيات المفيدة جدا. و من هذا المنطلق يصبح التبليغ و حتى اللجوء إلى القضاء واجبا وطنيا. بالطبع يجب على جمعية يهمها تدبير المال أن تدقق و تسأل أهل الذكر في مجال المال و القانون و بعد ذلك أن تقوم بواجبها. و لنا في تعامل رئاسة النيابة العامة مع مشكلة الرشوة خير مثال. المبلغ يحميه القانون لأنه يقوم بواجب وطني بإستثناء من يقصدون الإساءة لخصومهم دون دليل و للنيابة لعامة تجربة تجعلها تفرق بين نوعية التبليغات.
من منا لا يتمنى أن تصل بلادنا إلى أعلى درجات الرقي الإجتماعي و الحقوقي. تعرف و أنت الاستاذ المحامي المعروف و الذي لم ينس أنه رافق و صاحب و تعاطف مع قيم نبيلة يسميها البعض يسارية، إلا أنها قيم إنسانية و كفى. آثار الاغتناء غير المشروع أصبحت تطغى على قراءة المواطن و الصحافي و رجل السياسة لواقع مدينته و قريته و حيه. فكيف لا يمكن أن نتعامل معها بما يلزم من الإلتزام الوطني. لعلك كباقي الزعماء تتكلمون في مجالسكم عن أناس كانوا بسطاء، لم يدرسوا ولم يؤسسوا مقاولة و لا تعاطوا لأنشطة تجارية و فلاحية و صناعية و خدماتية، تكلمتم على أن ما قاموا هو تحمل مسؤولية عامة بعد انتخابات أو تعيينات.
السكوت عن هؤلاء خطير على مؤسساتنا في علاقتها بوعي المواطن و تشكيل رد فعله و قراءته للشان العام. و لذلك يجب أن نحافظ على النسيج الجمعوي الذي يحارب الفساد. و لكن يجب تأطير عمله ليس بهدف تحجيمه و لكن بتقوية أساليب تحضيره للملفات. وضعتم شرط الحصول على صفة النفع العام للتمكن من التقدم للعدالة كطرف مدني. تعرفون أن هذا الشرط تعجيزي و الجمعيات على هذه الصفة قليلة جدا. و أذكر أن إحدى الجامعات الشبابية التي تحظي بعطف خاص نظرا لتاريخها لم تحصل عليها إلا بعد مرور عقود على تأسيسها و تأكيد فعالية حضورها وطنيا و دوليا. و لن أدخل في تفاصيل أكثر. إلا أن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك على سبيل المثال لا تزال تنتظر و هي التي تتواجد في كافة ربوع الوطن و لها مراكز لتلقي الشكايات و توجيه المستهلك و اللجوء إلى محامين و الترافع أمام مؤسسات عمومية و خاصة في العديد من المجالات، ولكنها لا يمكن أن تدخل للمحكمة كطرف مدني و لو تعلق الأمر بمنتجات غذائية مضرة أو عمارات لم تستجب القانون أو مؤسسات بنكية اساءت التعامل مع زبون مستهلك لخدماتها.
الأمر السيد الوزير يتطلب الكثير من الفرز حتى لا يحسب عليكم أنكم سيد الإقصاء في مجال حقوقي بامتياز. لا اظنكم تريدون حماية جميع الموظفين و جميع المنتخبين من المحاسبة. تريدون حماية النزهاء و هذا لا يتناطح عليه كبشان و لن تجدوا إلا المساندة في هذا المجال. سجل لكم دفاعكم عن مبدأ دستوري يتعلق بأداء الضرائب زملاءكم لأنكم اطلعتم على هزالة مردود الضريبة على الدخل المهني مقارنة بما يؤديه العمال و الموظفون عن طريق الاقتطاع من المنبع.
لكل ما سبق، أرجو أن لا يتم الخلط خلال تحملكم لمهام حكومية بين الأهداف و الوسائل. لن تجدوا من يعارض اصراركم على حماية الحياة الخاصة في انسجام مع حرية التعبير. و لن تجدوا معارضا إذا انصفتم بالعدل و القانون من يناضلون ضد من يريدون إفساد مؤسساتنا مهما كان موقعهم الحزبي. و بالطبع لا أنكر عليكم نية الإصلاح و في مجال اختصاصكم لا يوجد إلا المخلصين في الدفاع عن حقوق المواطن. و أعني بالمواطن المرأة التي تحتاج جيل جديد من أنظمة الدعم القانونية لحماية الأسرة. و أعني بالمواطن ذلك المستثمر الصغير و المتوسط الذي يخلق الثروة و مناصب الشغل و يجد نفسه في مواجهة بيروقراطية إدارية و بنكية و حتى “نقابية “. أعني بذلك المواطن كل من يريدون عدالة اجتماعية و مجالية و الذين لا يفهمون شيءا غير مرتبط بواقعهم اليومي. لهذا أرجوكم السيد الوزير أن تبتعدوا عن اهتمامات رجل السياسة لكي تنخرطوا في منهج قد يؤدي بكم إلى التفكير و التخطيط و التدبير كرجل دولة. الفرق بينهما كبير. الزمن السياسي إما أن يكون زمن من يفكر في الأجيال القادمة أو زمن ذلك الذي يريد أن يغادر السياسة قبل الانتخابات المقبلة. و بالطبع الإختيار حر و لكن مفاتيح المستقبل يتم التفكير في صنعها اليوم.
و في الختام أرجوكم أن تنؤوا بمهمتكم الدستورية و السياسية عن إثارة مشاكل وجب تدبيرها بالعقل لا بالانفعال الذي يتنافى مع التشاور الذي نص عليه دستور بلادنا. فما خاب من استشار لأن الحكومة كل لا يتجزأ و هذا ما قيل لنا في بداية تعلمنا لدروس القانون الدستوري على أنه مبدأ التضامن الحكومي.