وبالفعل في حدود الثالثة صباحا من اليوم الموالي، حوصر الحي الجامعي_ ظهر المهراز_ من طرف العسكر وقوات الامن ، وفي مقدمتهم نفر من البوليس السياسي ،يساعدهم رجال غلاظ شداد ضخام الاجساد، يقرعون أبواب الغرف بقوة شديدة ، وكل باب موصد يكسر بأكتاف ضخام الاجساد ليعتقل مناضلو أوطم المحروقين والمسجلين في لوائح معلومة.
اما بالنسبة للطلبة الجدد من أمثالي فقد حشرنا في القاعة التي كنا ندعوها بقاعة : ( عبدالكريم الخطابي) ليبدأ البوليس الفرز بين الطلبة المتابعين و” الداخلين سوق رؤوسهم” الى ان وصلت حافلات النقل في حدود السابعة صباحا لتسفيرنا ” المجاني”: طلبة الشمال الى طنجة، وطلبة الجنوب الى البيضاء.وظلت تلك الحافلات التي أقلتنا محروسة ومراقبة بأرتال من شاحنات العسكر وسيارات الأمن حتى خارج مدينة فاس.
وهكذا ستسقط” جمهورية الطلبة” ،باغلاق حيهم،وتنتهي السنة الدراسية قبل أن تبدأ، وسيواكب هذا الحدث حظر اوطم في24 يناير 1973 واعتقال قيادته والعديد من مناضليه.
مظاهرة باب الشعبة: بعد تهجيرنا الجماعي، سنعود الى اسفي،لنستانف لقاءاتنا بالفتي اليساري_عبد الرفيق_، في منازلنا الممتدة من جماعة بياضة الى جماعة الزاوية، لتستمر العروض السياسية التحريضية حول ” الوضع الراهن ومهامنا”. واللافت للانتباه انه بعد العودة من فاس، سيقرر الطلبة تنظيم اول مظاهرة ” شعبية” بعد الحظر باب الشعبة عشية يوم من أيام فبرائر ،رفعت خلالها شعارات سياسية منددة بالحظر ، ومنتقدة السياسة التعليمية الطبقية، ومطالبة باطلاق سراح المعتقلين السياسيين سرعان ماتفرقت في دروب المدينة القديمة حيث شارك فيها جل الطلبة الجدد بمافيهم الطلبة الذين يدرسون بالرباط.
الاعتقال في ثكنة احمد الغول: لاشك ان المغرب في هذه المرحلة التاريخية مر بأحداث سياسية فارقة: انقلابان عسكريان71 ـ 1972،حظر اوطم، احداث 3 مارس، تؤطرها حالة الاستثناء.
ولم يكتف النظام بحظر اوطم،بل تفنن في معاقبة الطلبة وتاديبهم بما يمكن تسميته بالاعتقال العسكري للطلبة عندما توصلت وزملائي بلستدعاءات للتجنيد الاجباري: محمد بوجة، محمد لقستنتيني، احمد بلخالة ومحمد العلوشي والمرحومان عبدالواحد اليعقوبي وعلي بوعنبة….الخ.اذلم نكن_ في البداية_ نعلم اننا سنعتقل بصفتنا طلبة مسجلين في الكلية وكل منا يحمل بطاقة الطالب كهوية اجتماعية حينما رفضت ” قيادة القوات”، بثكنة احمد الغول،كل مستنداتنا ليتم اعتقال أغلبناظلما وعدوانا في الكتيبة العشرين بجليز بمراكش.
هكذا أصبحنا رهائن في الثكنات العسكرية منا من اطلق سراحه بعد بضعة أسابيع لما ثبت عجزه الطبي(بوجة) او من ادلى أهله بشهادة التحمل العائلي( اليعقوبي، بوعنبة) ومنا من ظل معتقلا حوالي السنتين عبدالهادي الزوهري ومحمد العلوشي ومنا من شارك في حرب اكتوبر في سيناء مصر (العلوشي..)،ومنا من كان من أوائل شهداء قضيتنا الوطنية: الصحراء المغربية أمثال الشهيد احمد بلخالة.
لقد شعر الكثير منا بلظلم، وروح الانتقام في تجربة الاعتقال العسكري هذه، التي سعى النظام من ورائها الى كسر شوكة روح التمرد والرفض لدى الجماهير الطالبية، وقدتشبتت بالأمل وعدم الخضوع ـ كبقية بعض الزملاء ـ دون ان نستجيب لاغراءا ت الاكاديمية العسكرية التي كان يتخرج منها الضباط بالنياشين!! بل ظللت مؤمنا بأنني لاأصلح للعسكر التي تقوم فلسفته على الطاعة الى ان اطلق سراحي بعد أن قضيت حوالي السنتين في الوقت الذي كانت مدة التجننيد لاتتجاوز 18شهرا ،بفعل نشوب قضية الصحراء.
عبد الهادي زوهري / قناعة الاختيار بوحدة اليسار