يوميات درب مولاي الشريف ليلة الاثنين الثلاثاء 4 نوفمبر 1974
أول ما ولجت هذا المكان المخيف، الذي كنت سمعت القليل عنه وعن أمثاله كدار المقري مثلا الذي مر منه المعتقلون الاتحاديون في يوليوز من سنة 1963 وما بعدها، لا أقول خفت أو أصبت بالهلع، لأنني لست وحدي بل معي العشرات من رفاقي، مما يعني أن مصيرنا واحد، يقول المثل “در راسك بين الروس وعيط أقطاع الريوس”، وإنما الذي شغلني في تلك اللحظة، هو كم من الوقت أستطيع الصمود والتماسك في مواجهة تلك الأوضاع للحفاظ على وجودي المادي.
ـ الاستقبال كان حافلا عند الدخول، كنا نسمع صوت السياط، أو “المصويتا” في يد حراس المكان، كأنهم يروضون الوحوش الكاسرة، كما كان يسمع صوت المياه المتدفقة من طرادات المراحض شبيه بصوت شلال متدفق من علو جبل، تصورت أنني سنعيش وسط برك مياه وسياط الجلادين، خصوصا حين طلبوا منا نزع كل ما نرتديه، قبل أن يسلمونا أسمالا قديمة ومهترئة عبارة عن قميص وبنطلون، وبما أنني كنت نحيف الجسم قصيره، اختفيت وسط ذلك القميص الذي كان أكبر من جسمي وبعد ذلك وضعوا على أعيننا قطعة قماش متسخة يسمونها “بانضة” كي لا نرى ما يجري أمامنا أو نتعرف على الجلادين والمكان الذي نتواجد به. بعد هذه العملية أخذونا لغرف مصففة وأعطونا أفرشة وأغطية قديمة “كواش” اتخذنا البعض منها كفراش والبعض للغطاء، حين رأيت هذه العملية تنفست الصعداء وتبذد جزءا من الخوف، قلت مع نفسي على الأقل يوجد فراش وغطاء ولن أبقى عريانا وسط المياه.
في الليلة الأولى بعد أن قضينا بضع دقائق بدأو ينادون علينا وأعطوا لكل واحد منا رقما معينا يجب عليه أن يحفظه لأنهم سينادونه به وبذلك يتحول لمجرد رقم، وكان الرقم الذي أعطي لي هو 19، إن لم تخني ذاكرتي.
ـ بعد هذا أخذونا لوجبة دسمة استضفونا بها كمقدمة ومدخل للوجبات التي ستخصص لكل واحد منا، كل حسب حاجته وأهميته.. وهذه الوجبة الدسمة كانت عبارة عن صفع وركل وخنق بالمياه الآسنة الممزوجة ربما بماء جافيل وكذلك ما يسمى بعملية الطيارة، هذه الوجبة ذاق منها الجميع بالتساوي لا فرق بين الكبير والصغير ولا بين المرأة والرجل، فهم يؤمنون بالمساواة ويطبقونها.
ـ بعد هذه الوجبة عدنا لأماكننا وبدأ العقل يستوعب ويكتشف المكان ويحاول استيعاب الوضع والتفكير في طرق المواجهة والصمود، أول شيء قمنا به هو التعرف على بعضنا نحن المتواجدون في نفس الغرفة رغم العصابة الموضوعة على أعيننا والقيد الحديدي المقيد لأيادينا والحراسة المشددة التي تمنع الهمس أو حتى مجرد التململ في المكان.. حين تحس أنك في حاجة للمرحاض عليك أن تنادي باسم الحاج وتقول “الحاج نوض نبول” إما أن يستجيب لرغبتك تحت وابل من السب والشتم، أو أن يتركك تنادي إلى أن يبح صوتك، والحقيقة لا بد أن تقال، هناك بعض الحراس، فيهم بعض الإنسانية هم من يطلبون منا أن نقوم للمرحاض دون أن نطلب منهم ذلك.
ـ الأكل: يسلموننا خبزة واحدة في اليوم صباحا مع البيصارة وفي الغذاء إما حبات عدس تسبح في بحر من المياه وأحيانا جزر مطحون وفي بعض الأحيان قطع من لحم الجاموس، ومرة في الشهر أو أكثر كأس شاي وأحيانا علبة سردين عادي يقسمونها على اثنين أو ثلاثة.
ـ بعد أن إستوعبنا المكان والزمان تكيفنا مع الوضع وبدأنا نشغل أدمغتنا ونفكر في كيفية مواجهة الجلادين والمحافظة على صمودنا وتماسكنا والتفكير في مستقبل وطننا قبل التفكير في خلاصنا. أول شيء فكرت فيه هو أن أجر المحققين لما أريده أنا لا الذي يريدونه هم وأن أتمسك بما قلته في المرة الأولى ولا أدعي معرفة ما لم أعرف أو أنكر ما الذي عرفوه عني وقاله الآخرون..
يتبع