يوميات درب مولاي الشريف ـ 4 ـ
نعيش بالأمل وعيوننا على المستقبل
في درب مولاي الشريف الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود
بدأت الاعتقالات ليلة الجمعة السبت أول وثاني نوفمبر، وبسرعة تمكن البوليس من اعتقال عدد كبير من الرفاق والمناضلين. تجربة مريرة حقا، فالأمر ربما يعود في نظري، أنا المواطن البسيط، إلى أن الإنسان لما يتصدى لحمل رسالة كبرى، يجب أن يكون على قدر المسؤولية ولديه الاستعداد للتضحية، ومن تم إرادة أقوى والاستماتة في الحفاظ على أمن وسلامة رفاقه. من يتصدى لقيادة تنظيم أو حزب ثوري يسعى للتغيير، يكون دائما في مقدمة من يضحي بنفسه، فقائد فرقة عسكرية يكون في مقدمة الجنود ويحرص أشد الحرص، على الحفاظ على حياتهم وأمنهم، فمعهم سيواجه العدو وبهم سيحقق النصر. أما إذا كان القائد يضعف أمام أول إمتحان يواجهه ويبحث عن الخلاص الشخصي، مضحيا بأمن وسلامة رفاقه ومن ثم سلامة وأمن التنظيم من أجل الحفاظ على حياته الشخصية مضحيا بالجميع مرددا في دواخله “أنا ومن بعدي الطوفان”، فلا يستحق أن يحمل صفة القائد أو المسؤول، والحقيقة أنه قدم نفسه قربان لعدو لا يرحم ولا يحسب أي حساب للذين ينهزمون عند أول امتحان.. وهنا أفتح قوسا لأكد أنني لا أقصد أحدا بعينه، وإنما أطرح الأمر من وجهة نظري المتواضعة، بشكل عام..
أقول بدأت الاعتقالات في ليلة الجمعة ـ السبت أول وثاني نوفمبر من سنة 1974 واستمرت، بشكل جنوني حتى نهاية سنة 74 والأشهر الأولى من سنة 75، يعتقلون كل من ورد اسمه في الاستنطاق، أو وجدوا اسمه في قصاصة ورقة أو غلاف مجلة أو كتاب، وكان من بين ضحايا هذه الاعتقالات مواطنون لا علاقة لهم بالتنظيم ولم يعرفوا بوجوده، منهم من كان صديقا لأحد المتهمين بالانتماء للتنظيم أو زميلا له في العمل، بل إعتقلوا بعض المواطنين لمجرد مرورهم من أمام عمارة يوجد فيها منزل من يبحثون عنه، ولفتت نظره الحراسة المشددة فتوقف ليسأل أو فقظ يرفع بصره نحو الشقة المحروسة، فكان هذا سببا كافيا لاعتقاله والإتيان به للمعتقل السري واستنطاقه تحت التعذيب وكلما أنكر جهله بالأمر، إزداد تعذيبه، منهم من قضى أسابيع وأشهرا في درب مولاي الشريف قبل أن يخلوا سبيله، ومنهم من حوكم وقضى سنوات في السجن وحكم عليه بسنتين ونصف سجنا وهو لا يعرف شيئا عن التنظيم ولا علاقة له به، بل الأدهى من هذا، كان مريضا عقليا وأعني هنا المواطن وهام.
الأحداث التي جرت في سنة 75 كاغتيال ملك السعودية، فيصل، ووفاة أم كلثوم وفريد الأطرش، علمنا بها من خلال استراقنا السمع لأحاديث الحراس، الذين يسمونهم الحجاج، وهذا ما جعلني أمقت وأكره لقب الحاج، لارتباطه في مخيلتي بجلادي درب مولاي الشريف.
وأهم حدث علمنا به ونحن في ضيافة الجلادين، هروب الأمريكيين من الفيتنام وتحرير سايغون من العملاء على يد الجيش الفيتنامي بقيادة البطل جياب. في إحدى الصباحات الباردة، ونحن لا زلنا لم نستلم فطورنا، الذي هو عبارة عن خبزة لليوم كله، تناولها كلها في الفطور، أو احتفظ منها لما يسمى الغذاء والعشاء، ومن سخرية الأقدار بنا، أن الزنزانة التي وضعنا فيها، كانت تقع أمام المطبخ الذي يعدون فيه أكل ضباط وأفراد حراس المخفر، وكانت روائح مختلف الأطعمة التي يطبخونها تزكم أنوفنا، من لحم وسمك الخ..
أقول، في إحدى هذه الصباحات وقبل استلام الحجاج مهامهم، سمعتهم يتحدثون عن هروب الجنود الأمريكيين من سايغون بالطائرات، ففرحت بانتصار ثورة الشعب الفيتنامي، الذي استطاع بفضل تضحياته الجسام، من هزم أعتى قوى امبريالية في القرن العشرين، كما سبق له أن هزم الامبريالية الفرنسية في معركة ديان بيان فو، والحقيقة أن هذا الانتصار العظيم، أعطاني جرعات قوية من الأمل والاصرار على الصمود ومواصلة الطريق وتيقنت أن من ينتصر دائما هي قوة الشعوب وإرادتها ومن ينهزم هي قوة الشر والعدوان ومن يسلبون حرية الشعوب ويسرقون خيراتها.
للحديث بقية