سعيد عفلفل
نواصل هذه السلسلة وتقف اليوم عند شخصية طبقت شهرته الآفاق و جرى ذكره على كل لسان، كيف لا و هو بطل أكثر السير الشعبية شيوعا و انتشارا لدى العرب. إنه أبو زيد الهلالي.
جاء ذكر أبي زيد الهلالي في قصائد الملحون في سياقين متكاملين. إذ ارتبط ذكره بالشجاعة و البطولة و كذلك بسيرة العشاق و المحبين. هكذا اورده الشاعر بوعزة الدريبكي في قصيدته الشهيرة الكاوي حين تحدث عما يفعله العشق بالمحبين إذ يطوعهم و يخضعهم لسلطته و سلطانه و سطوته. يقول الدريبكي :
“طوع كسرى على نصالو و ما قاسى مع الهلالي ** و مطوع قيس و الغلام العبسي و امثالو.”
وفي قصيدة عراض الزهو، يقول الشاعر الأزموري أحمد برقية:
” راكب مهبول وُ تليف أُ وحيل ** كيف بالكلخا تلقى سيف عنترة و الهلالي ** و القنا و الرمح المصقول.”
على غرار العديد من الشخصيات التراثية العربية تقاطع الجانب الحقيقي الواقعي مع الجانب الأسطوري الخرافي في شخصية أبي زيد الهلالي. فقد رفعه كتاب السيرة الشعبية إلى منزلة المخلوقات الخارقة التي لا تعرف المستحيل. و الواقع أن أبا زيد هو شخصية حقيقية عاش في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي على عهد الدولة الفاطمية. إسمه الحقيقي هو سلامة بن رزق بن نائل. كنيته أبو زيد ولقبه الهلالي.
ينتمي أبو زيد إلى قبيلة بني هلال و هي قبيلة عربية هوزانية عدنانية. كانت القبيلة في صراع دائم مع قبيلة قحطان بحكم تجاورهم في منطقة نجد ( وسط شبه الجزيرة العربية). كان النزاع و الصراع على الأرض والكلأ و المراعي.
هاجرت قبيلة بني هلال إلى الشام ثم إلى صعيد مصر و منه إلى شمال أفريقيا في تغريبتهم الشهيرة التي خلدتها السيرة الشعبية الذائعة الصيت : سيرة بني هلال.
ولد أبو زيد أسود اللون فرفض والده الاعتراف به. تحت ضغط القبيلة و وجهائها الذين رأوا في الصبي الأسود وصمة عار على جبين القبيلة، تحت ضغطهم طلق الأب أم أبي زيد التي كانت تدعى خضرة و هي من قبيلة عربية كبيرة.
شب الفتى الأسود و اشتد عوده و تعلم الفروسية و فنون القتال. وقد أبان عن شجاعة كبيرة، وكان يتميز بنظرته الحادة و الثاقبة و يمتاز بفراسته ر قدرته الفائقة على القتال و قيادة الجيوش و مجابهة المخاطر. أطلق عليه البعض اسم الأمير بركات، ليس لانه أمير حقيقي بل اكتسب تلك الصفة لشجاعته و بسالته.
قاد أبو زيد قبيلته في تغريبتهم الشهيرة نحو أفريقيا ( مصر و المغرب العربي). خاض العديد من المعارك و الغزوات و الملامح وهي ما أطلق عليه المؤرخون “سيرة بني هلال”. شاركه في هذه الملامح ثلاثة فرسان من قبيلته و هم: السلطان حسن بن سرحان أبو علي و ذياب بن غانم الهلالي و القاضي بدير بن فايد.
كان أبو زيد يحضى باحترام و تقدير جميع أبناء قبيلته، وكان كل افراد الجيش يخضعون لأوامره ومرجع هذه الحضوة و المكانة هو حكمته و ذكاؤه و شجاعته وهو الأمر الذي كان يثير حفيظة و حقد الأمير ذياب بن غانم الهلالي الذي غدر بأبي زيد إذ رماه برمح على ظهره اخترق جسد ابي زيد وارداه قتيلا.