آخر الأخبار

الشخصيات التراثية في الملحون : كسرى

سعيد عفلفل 

ورد إسم كسرى في العديد من قصائد الملحون، و الواقع أن الأمر يتعلق بملكين حملا نفس الإسم، هما كسرى الأول و كسرى الثاني : ملكان من ملوك الدولة الساسانية في بلاد فارس. كسرى الأول هو ملك الفرس المعروف بكسرى أنو شروان أو ” خُسرو الأول” الذي توفي عام 579 م و حكم الإمبراطورية الساسانية بين عامين 531 و 579م. وقد خلد الفرس ذكراه معتبرين إياه ملكا مصلحا عظيما. كان يرعى العلوم و الفنون و الآداب. لقبوه بالعادل و أنو شروان الذي تعني ذو الروح الخالدة. شهدت فترة حكمه عدة إنجازات نورد بعضا منها فيما يلي:
*تعديل نظام الضرائب و جعله أكثر عدلا لدافعي الضرائب.
*أعاد تنظيم الحكومة و نصب على وزرائه رئيسا و بذلك يكون أول من خلق هذا المنصب (رئيس الحكومة).
*عمل على تقليل سلطات الملك و ذلك بتحويل الدولة و جعلها تتجه نحو نظام لا مركزي. في عهده تم تقسيم المجتمع الساساني إلى أربعة أقسام : الكهنة و المحاربين و البيروقراطيين و العوام.
*نظم الجيش و الإدارة و حصن حدود الإمبراطورية من الجهات الأربع.
خاض كسرى الأول العديد من الحروب في أرمينيا و القوقاز و اليمن، و سنأتي على ذكر الحضور القوي للساسانيين في اليمن وذلك في معرض حديثنا عن الملك اليمني سيف بن ذي يزن.
ازدهرت الثقافة و العلوم في عهده. بعد أفول أكاديمية آثينا عام 529م، هاجر بعض الفلاسفة الإغريق إلى بلاد فارس فاستقبلهم الملك كسرى وأحاطهم باهتمام بالغ. كما أسس مدرسة جنديسابور الطبية الشهيرة. كما جلب لعبة الشطرنج من الهند. أما بخصوص العلوم فقد ازدهر في عهده علم التنجيم و علن الفلك و علوم أخرى.
وارتباطا بالملحون نسوق بعض الأمثلة من قصائد ذكر فيها كسرى الأول. وتبين هذه الاستشهادات مدى عظمة هذا الملك.
يقول سيدي عبد القادر العلمي في قصيدة المزيان :
” صول صولة ملك الفرس أنو شروان *** للنصر خصك غير الجيش و العساكر.”
و في قصيدة الياقوتة، يقول محمد بن سليمان :
“يا سيف عنترة ف نهار يطول فيه لقتال * يا بند دولة العلوي * يا رمح رافدُه علقاوي * يا تاج حاملُه كسراوي.”
أما كسرى الثاني ويعرف باسم خُسرو الثاني، فقد ورد ذكره في قصائد الملحون في إطار حديث شاعر الملحون عن العشاق و المحبين لأن هذا الملك الساساني كانت له قصة حب مع الأميرة شيرين. تحدث شاعر الملحون عن الحب و الهوى ووصف سطوته و كيف يخضع المحبين مهما بلغ نفوذهم و قوتهم و جبروتهم، إذ أنهم يخضعون لأحكام الغرام. سنعود لقصة الملك كسرى الثاني بعد أن نسرد هذا البيت من قصيدة الكاوي لبوعزة الدريبكي:
” طوع كسرى على نصالُه و ما قاسى مع الهلالي ** و مطوع سيف و الغلام العبسي وامثالُه.”
هذا هو كسرى الثاني و يعرف كذلك بخُسرو الثاني أو خسرو برويز أي المظفر. حكم الإمبراطورية الساسانية بين عامين 590 و 628م وهو آخر ملوك هذه الإمبراطورية و حفيد كسرى الأول أنو شروان الذي تحدثنا عنه آنفا.
تعتبر فترة حكم كسرى الثاني العصر الذهبي للفن و الموسيقى الساسانية، إذ برز في عهده موسيقيون كبار أمثال برباد و بامشاد و سركش. في عهده أيضا أعيد الإعتبار للنقوش الصخرية و النحت الصخري.
كسرى الثاني هذا هو الذي بعث اليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام مخاطبا إياه بكسرى عظيم فارس. وقد ذكره الشاعر الحاج أحمد الغرابلي في قصيدة شفيع العصاة. يقول الغرابلي :
“ليل وجودك فايق القدر مروي لسنادي * ف خلوقك لقوال واردة * ضوى نورك فالجبال عل المداين و البَّادي * و قصر كسرى طاح بعد دا.”
أما قصة حبه للاميرة شيرين فهي قصة رومانسية كتبها الشاعر الفارسي نظامي الكنجوي. تتحدر الأميرة شيرين من منطقة ميسان في العراق. أحب كسرى شيرين و كانت تحضى لديه بمكانة أثيرة رغم توفره على حربم يظم أكثر من 3000 امرأة. ظلت شيرين سيدة قلبه و سلطانة روحه و لها الكلمة الختام في حياته. تزوجها كسرى لكنها فضلت السكن في بلادها العراق و في المدائن بالتحديد جنوب بغداد على ضفاف نهر دجلة. ولا زال قصر شيرين العظيم إلى الآن في أرض النهرين شاهدة على واحدة من قصص الحب الخالدة.