آخر الأخبار

الشخصيات التراثية في الملحون : لبجر

سعيد عفلفل

“لبجر” هكذا ينطقها شيوخ الگريحة أثناء إنشادهم لقصائد الملحون. كلمة “لبجر” ما هي إلا تحريف لكلمة الأبجر. والأبجر بن النعامة هو حصان عنترة بن شداد العبسي. قد يقول قائل : وما دخل حصان بالشخصيات التراثية؟ كيف تسوي بين الحيوانات و البشر؟ الواقع أن تساؤلات من هذا القبيل تبقى مشروعة، غير أننا حين نعلم العلاقة القوية التي جمعت و تجمع الإنسان العربي بالخيول والمنزلة التي خصها العرب للخيل، نستطيع القول إن الحصان يستحق أن نسبغ عليه صفات البشر وبالتالي ندرجه ضمن الشخصيات التراثية التي تستحق الدراسة.
لكلمة أبجر في اللغة العربية عدة معان من ضمنها : عظيم البطن والذي خرجت سرته. قالت العرب إن حب عنترة لحصانه الأبجر فاق حبه لعبلة، وقد قيل فيه أشعار عدة. قالت العرب تصف الأبجر :
” مهر أدهم كأنه الليث القشعم *** له لون الظلام أو كأنه قطعة من الغمام.”
وقال عنترة في وصف الأبجر :
“يا صاحبي شد حزام الأبجر *** إني إذا يدنو الردى لم أضجر.”
وقال أيضا :
“يدعون عنترَ و الرماح كأنها *** أَشْطانُ بئر في لَبانِ الأدهم.”
والأدهم هنا ليس إسم الحصان و إنما صفته وذلك لشدة سواده.
الأبجر بن النعامة ،و النعامة هي فرس الحارث بن عباد الربعي اليشكري. يقول الراوي في السيرة إن الحارث قال لعنترة:” وإن كنت ما سمعت بهذا الحصان، فهذا هو الأبجر بن النعامة، وهو الذي عليه الملوك في كل زمان تتحسر مثل كسرى و قيصر….. ولم يكن لهم مثل هذا الجواد الذي لم يبعد عليه ميعاد، و يبلغ راكبه كل المراد.”
هذا هو الأبجر واحد من أشهر الخيول العربية.
كانت علاقة الإنسان العربي بالخيل علاقة ذات خصوصيات، إذ كان ينزل الخيل من نفسه منزلة الأهل و الأبناء. وقد يوثر العربي حصانه على نفسه و أهله في الطعام و الشراب و المسكن. قد يبيتون على طوى و يشبع حصانه. يقول عبيد بن ربيعة :
” مُفدَّاة مكرمَّة علينا *** يُجاع لها العيال رلا تُجاع.”
كانت العرب ولا تزال تحتفل بالخيل و بمولودها و يهنئ بعضهم بعضا إذا ولدت لهم الفرس؛ وكانت العرب لا يهنؤون إلا بغلام يولد أو شاعر ينبغ أو فرس تنتج.
للحصان العربي عدة مميزات إذ تتسم الخيول العربية بجمالها الملفت للنظر و جسمها المقعر و رأسها المميز و ذيلها المرتفع الطويل و رقبتها المقوسة و خانوقها المستوي. هي من السلالات القديمة التي تتميز بقدرتها على الركض لمسافات طويلة. ولها ألوان كثيرة من اشهرها؛ الكميت و الأشقر و الأحمر و العسلي والأسود الأدهم و الأشهب والأبيض ولو أنه نادر في الخيول العربية عند الولادة.
بالعودة إلى شعر الملحون ،نجد أن شاعر الملحون اهتم كذلك بالخيل و خصص لها حيزا محترما في قصائده يصفها وصفا دقيقا من لونها إلى سرجها و لجامها وكل عدتها. وهناك قصائد كثيرة ورد فيها وصف الفرس من بينها على سبيل المثال : قصيدة العود للتهامي المدغري و قصيدة المحبوب لفضول المرنيسي و الطرشون لولد أرزين… و قصائد أخرى. أما القصائد التي ذكر فيها الأبجر ،نورد ثلاث قصائد.
يقول بلقاسم البوراشدي في قصيدة السلوانية:
” سال الشطار ** تفرق بين الياقوت و الحجر ** والجاب و بردون والبجر ** و القاري لسطار** يبغي مول المعنى العابرة.”
وفي قصيدة التوبة يقول محمد بن سليمان :
” فسدت هاد الطرقة ** أسيدي يا سيدي ** دخلها من والى ** والكلام عاد نزالة ** للحتايل الهرتالة** كل من جاب حمار يشبهُه بجر ** إيولاهِ ما بقى وقر ** فين مَّاليها ** يشاهدو ذالفسدة فيها ** غير حلّْس واجي ليها ** كانت زمان ** عند الكرام في شان ** و اليوم السبوعة يرعاو مع لوشاق** عادو گاع سويا ** و كلهم غزارة. ”
ويقول في قصيدة السلطنية المعروفة لدى عموم الناس بقصيدة الزين الفاسي :
” درت فيدي مدعاسي *** دون سيفي و ركبت على جواد فايق عل لبجر. “