سعيد عفلفل
نقف هنا عند شخصية تراثية عربية لم يذكرها شعراء الملحون كثيراً ولم تنل من اهتمامهم ما نالته شخصيات أخرى. وهو أمر يثير الدهشة على اعتبار أن هذا الشاعر اشتهر بقصة حبه الجارفة. وبكون مقولة ” من الحب ما قتل” تنطبق عليه. إنه شهيد الحب و صريع الهوى. كان من الأجدر أن نجد ذكرا له في قصائد الملحون – قديمه و حديثه – إما باسمه الشخصي عروة أو باسم أبيه حزام أو حتى باسم حبيبته عفراء.
هو إذاً عروة بن حزام بن مهاجر الضني من بني عذرة. مات أبوه وهو صغير فكفله عمه. نشأ و كبر في بيت عمه. وكانت لعنه بنت، هي ترب لعروة، تدعى عفراء. أحبها عروة حبا شديدا وتعلق بها. وكانت عفراء فتاة ذات حسن و جمال و أدب و ظرف و فصاحة. تقدم عروة لخطبة بنت عمه عفراء. اشترط والدها مهرا بثمانين ناقة وهو يعرف أن عروة لا قدرة له علبه. رحل عروة إلى اليمن عند أحد بني عمومته لإحضار المهر التعجيزي وهو ينشد :
” يطالبني عمي ثمانين ناقة ** ومالي يا عفراءُ إلا ثمانيا.
في غياب عروة، زار رجل ثري من الشام القبيلة. لما رأى عفراء خارجة من خدرها وقعت في قلبه، فطلبها من أبيها. زوجها أبوها و سافرت مع زوجها إلى الشام. لما عاد عروة قيل له إنها ماتت. حزن عروة حزنا شديدا على فراق عفراء إلا أن امرأة من قومه أخبرته الحقيقة. سافر عروة إلى البلقاء في الشام حيث تقطن عفراء. قصد منزلها بعد أن غير اسمها. استقبله زوجها و أكرمه و أحسن ضيافته. ومكث أياما. علمت عفراء أن الضيف هو ابن عمها عروة وأخبرت زوجها الذي بالغ في إكرامه و الإحسان إليه. غادر عروة ديار عفراء مريضا معتلا إذ انتكست صحته وأصحابه الهزال. بقي على هذه الحال حتى توفي بين أهله. لما وصل عفراء الخبر جزعت جزعا شديدا و بكت عليه بكاء شديدا. بعد استئذان بعلها، خرجت وأتت قبر عروة وبكته طويلا ثم انشدت:
” ألا أيها الركب المحثون و يحكم ** بحق نعيتم عروة بن حزام
فإن كان حقاً ما تقولون فاعلموا ** بأن قد نعيتم بدر كل طلام.”
بقيت مستلقية على القبر حتى لفظت أنفاسها و ماتت. و دفنت جنب عروة. ولما بلغ معاوية خبرهما قال :” لو علمت بحال هذين الحُرَّين الكريمين لجمعت بينهما. ”
بالعودة إلى شعر الملحون ،نظم صديقنا التأثير سيدي أحمد بدناوي قصيدة رائعة في أحوال العشق و العشاق و ما يلقاه العاشق من أهوال و صعاب في طريق الحب و الهوى؛ قصيدة عنونها: وعد المغروم ومنها اقتطف هذه الأبيات حيث ذكر شاعرنا عروة بن حزام. وأدعو كل المهتمين لإغناء هذه الورقة بأبيات من شعر الملحون ذكر فيها عروة أو ابن حزام أو حتى عفراء. يقول الشاعر احمد بدناوي :
“سيف الهوى ماضي بتار ** في حكامو قاسي جبار
فالغرام جنودو للحب خاينة ** ما تفرق بين العوام ولا لعيان
جايرة عل لقلوب جميع هاينة ** حال اللي عشقوا ما حتاج لبرهان
في حكايات زمان خبار كاينة ** قيس المجنون وابن حزام و غيلان.”