عبد الجليل بدزي
شيخ من أشياخ الملحون في عهد “صابت لشياخ”[1]، شغل الناس كثيرا، وأعجب به البعض، وكرهه كثيرون، نسجت حوله العديد من الروايات منها التي تفتقر إلى أدلة من أجل تأكيدها، خاصة وأنها تتميز بالعجائبية والغرائبية، وروايات أخرى أثِرَتْ عن أشياخ عاصروه، أو جايلوا الذين عاصروه، ولكنها أيضا تحتاج إلى تنقيح، ذلك أنه عندما يغيب التوثيق، وتغيب القراءة الموضوعية للأحداث ولحيوات الناس ــ خاصة الشخصيات البارزة منهم ــ، يفسح المجال أمام التأويلات واختلاق الحكايات التي غالبا ما تكون مجانبة للمنطق والصواب، مما يؤسطر الشخصية أو الحدث، ويبعده عن الإدراك الموضوعي، وهي أشياء عندما نتعرض لبعضها هنا، فليس في ذلك ادعاء بأننا سنقول فيها القول الفصل، أبدا، فذاك ليس هو الهدف من هذه الورقات، ولكن فقط لكي نقرب صورة الشيخ ما أمكن من الحضور الموضوعي في أذهان الناس، ليستطيعوا أن يعقلوه كشخصية حقيقية وواقعية، بعيدة عن التناقضات التي تسير وراء الأقوال المتضاربة حوله دون تمحيص، وهو ما نعتبره مساهمة منا في محاولة تطهير هذا الموروث وما يحيط بمجاله من خرافات وشعوذات يمجها العقل، ويرفضها منطق المتلقي، الذي تصبح نظرته للملحون وثقافته نظرة تحمل في طياتها الكثير من التشكيك والقدح، معتبرا هذه الثقافة التي يقدمها منتوجا شعبيا بسيطا وبائسا، لا يصلح إلا للفرجة والترويح عن النفس، في مقابل ثقافة عالمة جديرة بالاحترام والتقدير، وقادرة على استيعاب كل قضايا الجماهير وتقديم حلول معقولة ومنطقية لها، وهي مسألة لا أجد موقعا لتقديم موقف حولها آنيا، باعتبار الغاية التي استهدفتها منذ بداية الخوض في مواضيع التراث عامة وفن الملحون على الخصوص، والتي تبتعد كليا عن الخوض في هذه المسألة العميقة جدا، لهذا وعود على بدء، أخلص إلى أن هذه الأخبار الكثيرة والمتناقضة حول الشيخ المقصود في هذا الموضوع، هي أخبار ذات فائدة كبيرة، ذلك أنها تؤكد لنا على هذا الشيخ كان عبقرية فذة، ومبدعا متميزا جعل الأنظار تلتفت إليه، وآمال التطوير والتجديد في مجال النظم تتعلق به، إنه الشيخ محمد بن ادريس بن سليمان.