عبد الجليل بدزي
قال عنه الأستاذ المرحوم عبد الله شقرون، “… أمير شعراء الملحون في كل زمان ومكان بدون خلاف ولا نزاع …”[7] ، وعلى الرغم من الاختلاف الحاصل بين المهتمين حول الحالة الاجتماعية لأسرته، حيث “هناك من الأشياخ من يرى أن أباه كان رجلا رقيق الحال، يشتغل (بالدرازة)، ويرى آخرون أن أباه كان من أكبر أغنياء وأعيان فاس…”[8]، ورغم هذا الاختلاف حول هذه النقطة، إلا أننا نطمئن للآراء التي تؤكد أن الشاعر “…عاش… في فاس عيشة الترف والدلع والدلال والبذخ… سهر الليالي وأفناها تمتعا ماجنا قبل أن تفنيه هي الأخرى ألما وتوجعا … وصعقا…”[9] ، وهذا الرأي هو الذي يرى أن والد الشاعر كان ثريا من أعيان مدينة فاس، وقد نشأ ابنه في بيت عز وثراء، وورث عن والده حبه لحياة الطرب وعشق الملحون ولقاء أشياخه الكبار، ولا يستبعد أن يكون لقاؤه الأول بأستاذه محمد بن علي ولد أرزين في بيت الأسرة، حيث بدأ يتلقى على يديه مبادئ هذا الفن وأصوله، ويتعرف إلى أشياخه، ولما مات والده، ترك له ثروة طائلة وهو في ريعان الشباب، فانطبق عليه قول الشاعر أبو العتاهية[10] يصف مثل حالته:
إن الشباب والفراغ والجِدهْ * مفسدة للمرء أي مفسدهْ[11]
والحقيقة أن موت والده ترتب عنه أمران حاسمان في حياته:
1/ حدوث القطيعة بينه وبين شيخه محمد بن علي ولد أرزين، ووصول الأمر بينهما إلى مستوى الهجاء الفاحش، والذي استمر طيلة حياة الشيخ ابن سليمان القصيرة، وكان يفحش له ولخصومه الآخرين في القول حتى لقب لحدة لسانه ب “الشـّْلِيمَانْ”[12]، فترتب عن ذلك قولة سارت مثلا بين أهل الملحون تقول:”الشّلِيمَانْ وَلَا اكـْلَامْ ابْنْ سْلِيمَانْ”، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بالغ ابن سليمان في التنكيل بأستاذه حين تنكر له، وأنكر فضله في تلقينه أصول فن الملحون، مشيرا إلى أن شيخه الحقيقي وأستاذه هو الحاج محمد النجار، وفي ذلك يقول في قصيدته “التوبة” التي حربتها:
أرَاسِي لَا تَشْقَى * يَا الطـَّامَعْ لَابُدّ مْنَ الفْرَاقْ * لَا تَامَنْ فَالدّنْيَا بْنَاسْهَا غَرَّارَا[13]
ويقول في القسم الأخير منها مشيرا إلى أن شيخه هو الحاج محمد النجار:
أحَفّاظِي نَسْقَا*
وَارْتْوَى مَنْ مَايَا * فَنّْ فِي اطـْرِيزْ المَايَة * للغْشِيمْ دَرْتْ أوُصَايَة *
كِيفْ وَصَّاوْا اللـِّي قَبْلِي عْلَى الغْدَرْ * مَنْ اصْمِيمْ القَلْبْ وَالصّْدَر*
وَاللي هُو قَارِي * إِوَرَّخْ ارْمُوزِي وَاشْعَارِي * مَا اخْفَى شِيخِي نَجَّارِي *
لـْبِيبْ دِيوَانْ * وِيقُولْ ابْنْ سْلِيمَانْ
قـُلـُوا المَنْ اجْحَدْ مَا نَبَّتْ غُصْنُه أورَاقْ *
مَالـُه ضَاعْ اخْطِيَة * وُجَاحَدْ الشعَارَا