عبد الجليل بدزي
2/ وأضيف هنا ملاحظة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، ذلك أننا إذا اعتبرنا أن الشيخ ابن سليمان كتب قصيدته الأولى (مرسول فاطمة) وله من العمر اثنان وعشرون سنة (22 سنة)، ونفترض أنه بعد سنة كتب قصيدة (القلب) التي تنبه المرحوم دلال الحسيكة إلى التاريخ المشار إليه فيها من طرف الشاعر بواسطة الكلمة الرمز: (شرط) وأوضح أنه يشير إلى سنة (1209هـ)، وكان عمره آنذاك ثلاث وعشرون سنة (23 سنة)، ثم كتب في أواخر حياته قصيدته (التوبة) والتي أشار القائلون بموت الشيخ مسنا إلى أنه كتبها سنة ست وسبعون ومائتين وألف (1276 هـ)، وأنه سيعيش بعدها حوالي سنتين (02 سنتين)، سنخلص إلى أن الشيخ ابن سليمان قد ولد سنة ست وثمانين ومائة وألف (1186هـ) على عهد السلطان محمد بن عبد الله محمد الثالث، ونظم آخر قصائده سنة (1276هـ) أي سنة موت السلطان مولاي عبد الرحمن، نضيف إلى هذا التاريخ حوالي سنتين عاشهما بعد كتابة قصيدته هاته، ليكون موته على عهد السلطان محمد بن عبد الرحمن أي محمد الرابع، وذلك عن سن اثنان وتسعون سنة، فهل يا ترى عاش الشيخ محمد بنسليمان حتى عهد المولى عبد الرحمن وابنه السلطان محمد بن عبد الرحمن؟، ومنهم يا ترى الشعراء الذين عاصرهم وكانوا على عهده ذاك؟، إن هذه النتيجة غير مقبولة نهائيا، ولا تخضع لا للتاريخ ولا للمنطق، ليبقى الصواب هو أن الشيخ بنسليمان ولد حوالي عام 1186هـ على عهد السلطان محمد بن عبد الله، وبدأ قول الشعر وهو شاب غر على عهد السلطان المولى سليمان، وتوفي في عهده عام (1219هـ) وعمره ثلاث وثلاثون سنة (33 سنة).
3/ الملاحظة الثالثة تتمثل في إجماع كل المهتمين الذين ترجموا لابن سليمان إضافة إلى أشياخ الملحون والمهتمين به، الكل يؤكد على أن هذا الشيخ قد مات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، مع تأكيدنا على أن الإجماع لا يحسم شيئا ولا يقوم دليلا على صحة الرأي النقيض إن وجدت الأدلة السليمة طبعا، هذا إذا لم يكن هذا الإجماع تضييقا على حرية البحث، وإغلاقا للمجال أمام الاجتهاد الجاد الذي قد يكشف حقائق غمُضت عن السابقين، ولكن رجالات الملحون وأشياخه يتميزون بأخذ علمهم عن طريق الرواية عمن سبقهم من الأشياخ، حيث يأخذ السابق عن اللاحق، وهكذا لابد أن تكون معلومة موت الشيخ ابن سليمان في شبابه قد انحدرت لنا عن طريق أشياخ جايلوه أو كانوا قريبين من مرحلته.
4/ المسألة الرابعة التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الشيخ ابن سليمان مات وهو صغير السن، هو ما أشار إليه شيخه محمد بن علي ولد أرزين في قصيدته “الكاموس”، والتي تعتبر آخر قصيدة هجائية قالها فيه، بل من الباحثين من يؤكد على أنها كانت السبب في موته، نظرا لما فيها من هجاء مدقع، ويروى أن ابن سليمان عندما سمعها جن جنونه حتى أنه بدأ يكتب هجاء ابن علي على جدران بيته وفوق فراشه، وقد مات بعدها بأيام قليلة، يقول ابن علي في هذه القصيدة مخاطبا ابن سليمان:
مَا كَانْ لِي فـْظـَنّْـي الـْغَـدَّارْ يِغِيـبْ * وُبَالشّرّْ إِيكَافِي الخِيرْ لـَصْحَابُوا
مَطـْلـُوبْ عَادْ لِي وَأنَا لِيهْ اطـْلِيبْ * كِيفْ الذيبْ امْصيْدُه مَنْ اشْعَابُه
ضَرْبِي الكُلّْ شَارَة نِيَّاشْ اصْـوِيبْ * مَـا خـُوفِـي إِلّا نْـيَـتـَّمْ اشـْبَـابُــه