عبد الجليل بدزي
هو شاعر مجيد من أهل فاس، ولد أواخر عهد السلطان محمد بن عبد الله[2] سنة ست وثمانين ومائة وألف هجرية (1186هـ)، وتوفي على عهد السلطان المولى سليمان[3] سنة تسعة عشرة ومائتين وألف هجرية (1219هـ)، بعد أن أصيب بمرض تضخم القلب، مات أبوه وتركه طفلا، فتكفلت أمه بتربيته، حيث أدخلته الكتاب ليحفظ القرآن، وبعدها التحق بجامعة القرويين التي نهل منها ما تيسر له من العلم، زيادة على علاقة الصداقة التي كانت تربطه آنذاك بالشيخ الكبير محمد بن علي ولد أرزين[4]، والذي عرفه على الشاعر الكبير وأستاذ الجيل وشيخ أشياخ مدينة فاس لوقته الحاج محمد النجار[5]، فجاء عبقرية فذة في نظم قصائد فن الملحون ـ كما أشرنا ـ مع ظروف لم تسمح له أن يُظهر كل إمكانياته في الخلق والإبداع، وذلك لأسباب كثيرة أختزلها في معطيين اثنين:
1/ انشغاله بالتهاجي مع خصومه الكثيرين، والذين قيل أنهم بلغوا أربعين شاعرا وأكثر، وكما لا يخفى على القارئ أن الدخول في معارك جانبية يحد من القدرة على الانطلاق والتحليق في مجال تحقيق الرسالة الأصلية التي يجري وراءها المبدع، وتتمحور لدى الشيخ ابن سليمان حول وضع بصمة متميزة خاصة به على مستوى نظم قصائد الملحون، الشيء الذي يؤكده نظمه لقصيدة “السنسلة”[6] التي سلسل بها أشياخ عصره، حيث رغم انتمائه لحضيرة الملحون، إلا أنه كان مجددا في الكثير مما كتب وأبدع شكلا ومضمونا، وهو الشيء الذي لم ترتح له العقليات التقليدية التي تشتغل بالميدان، فعارضه أشياخ وقته وهاجموه بقوة، وكانت النتيجة اشتعال نار التهاجي بينه وبين هذه العقليات المتحجرة، مما حد من انطلاقته وتحليقه في مجال الإبداع، وفوت علينا فرصة التمتع بتجديداته وابتكاراته التي تظهر من خلال ما خلف من قصائد، على أنها تمثل تحولا على مستوى الشكل والمضمون في مجال نظم الشعر الملحون، رغم أن غالبية إنتاجه قد ضاع نتيجة إحراق أمه لديوانه بعد وفاته، ولم يبق مما نظم سوى الذي ألقي على الناس فحفظوه، أو الذي كتب على جدران وأثات بيته.
2/ والسبب الثاني الذي حد من انطلاقة ابن سليمان التجديدية، وأوقف إبداعاته، تمثل في موته المبكر، حيث يُجمع كل المهتمين على أنه قد فارق الحياة على عهد السلطان المولى سليمان، وعمره قد تجاوز الثلاثين سنة بقليل، حوالي (ثلاثة وثلاثين سنة).