اعتبر باحثون، في ندوة ناقشت موضوع “الصحراء.. تقاطعات ثقافية”، أنه لا يمكن الحديث بالمطلق عن وجود “هوية ثقافية خالصة”، ويتعين على الباحثين والأكاديميين البحث عن المشترك بين المكونات الهوياتية للمجتمع.
وأبرزوا خلال الندوة التي نظمت في إطار الدورة 25 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن المطلوب من الباحث إيجاد القواسم التي تجمع بين الهويات الثقافية، من أجل تعددية منصفة لكل المكونات الثقافية، بعيدا عن “الخطابات المتطرفة”، التي جعلت من الهوية “ذريعة لتمرير رسائلها الإيديولوجية الخاصة”.
و أوضح الباحث رحال بوبريك أن “التجاذبات الهوياتية لا يمكن أن تخدم التعددية الثقافية التي يتميز بها المغرب، وهي التعددية التي أقرها دستور المملكة في 2011″، معتبرا أنه على المشتغلين في الحقل البحثي “إبراز المشترك، ونزع وهم الصفاء الهوياتي والعرقي والتعصب الثقافي والهوياتي و الجهوي و الإثني”.
وبرأيه، فالثقافة الحسانية هي ملمح من ملامح هذه التعددية الثقاقية، وهي بدورها مزيج من الثقافات التي نجحت في أن تتعايش داخل المجال الصحراوي منذ القدم، بفعل ما توافذ عليها من مجموعات بشرية سواء من إفريقيا جنوب الصحراء أو قبائل أمازيغية أو عربية بعد ذلك.
وشدد، في هذا الصدد، أنه “لا يمكن اختزال هذه الثقافة في عنصر واحد، لكون الصحراء كانت بامتياز بلاد التلاقح الثقافي، وبلاد الامتزاج والتمازج البشري، وبلاد بروز حركات سياسية ودينية بصمت تاريخ المغرب، مما يفرض الابتعاد عن التأويل الأحادي عند الحديث عن الهوية”.
ومن جانبه، أكد رئيس المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية عزيز بن طالب أن “المجال الصحراوي في الواحات الجنوبية الشرقية ليس مجالا مفتوحا، لكن هو كذلك وسط فيه مجموعات بشرية دبرت هذا المجال”، مسجلا أن “هذا المجال لا يمثل فقط خصوصيات جغرافية وطبيعية، بل عرف درايات بشرية وإبداعات ثقافية، تبلورت بفضل إنسان الواحات الذي نجح في خلق مؤسسات تتكيف مع خصوصيات المجال الذي يعيش فيه، ومن ذلك تدبيره للموارد المائية من خلال سلطة شيخ الماء، ومؤسسات تدبير المراعي الجماعية، وتدبير المصالح الخارجية والداخلية للمجال الصحراوي”.
وبعد أن أبرز إسهامات المرأة في حفظ الثقافة الحسانية وتطوير مخزونها اللغوي، والتقعيد له في المناطق الصحراوية وكذلك المناطق الأمازيغية في مناطق الواحات، شدد على ضرورة استثمار التراث والثقافة في خلق تنمية شاملة تتماشى وأهداف الألفية للتنمية المستدامة.
وبالنسبة إليه، فإن “المزيج الثقافي يشكل عاملا محوريا في بناء الهوية الوطنية الجمعية، وبالتالي لابد من ضمان استمرار المجال الصحراوي وجعله مجالا مثمرا من خلال ربطه بالتنمية، وتثمين موارد الواحات، وتعزيز اقتصاد التراث التضامني وتأهيل الرأسمال البشري في الصحراء”.
وفي قراءة تاريخية لوجود المكون الأمازيغي بالصحراء، لفت الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية محفوظ اسمهري إلى أن “بدايات التاريخ الأمازيغي بالمجال الصحراوي لم توضح بعد بشكل جلي، ومع ذلك، فقد أصبح من المؤكد أن استقرار الأمازيغ الأوائل بربوعه يعود لفترات موغلة في القدم” .
وأضاف أن “العديد من الدراسات أولت أهمية لخصوصيات المجال الأمازيغي أثناء محاولتها فهم المسار الحضاري والتاريخي لحضارة المنطقة”، مشيرا إلى أن ” أهمية المجال الصحراوي تظهر في كونه من المجالات الأمازيغية البعيدة عن مناطق الاحتكاك بالعالم القديم خاصة المتوسطية منها”، أي أنه كان مجالا بعيدا عن تأثيرات مختلف الحضارات المتوسطية، فاستطاع بذلك أن يحافظ على خصوصيته وأهميته في دراسة الإرث الحضاري والأمازيغي القديم.
وخلص إلى أن “تشجيع البحث الأثري بالمناطق الصحراوية وهوامشها الشمالية، من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة للبحث في تاريخ الحضارة الأمازيغية القديمة”.
وتعرف هذه الدورة، التي تحتضنها الدار البيضاء ما بين 7 و17 فبراير الجاري، مشاركة أكثر من 700 عارض مباشر وغير مباشر، يمثلون أكثر من 40 بلدا.
وإلى جانب الفقرات الخاصة بضيف الشرف الذي تمثله هذه السنة الجارة الشمالية للمملكة (إسبانيا)، سيعرف البرنامج الثقافي لهذه الدورة، المنظمة من قبل وزارة الثقافة والاتصال بتعاون مع الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، تنظيم العديد من الندوات التي تقارب شتى جوانب الشأن الثقافي المغربي، بتعبيراته اللغوية المتعددة، من عربية وأمازيغية وحسانية، وبحقوله المعرفية والإبداعية المتنوعة، من أدب وفون وعلوم إنسانية.
وعلى غرار الدورات السابقة، ستشهد الدورة الحالية تنظيم فقرات تلقي الضوء على التجارب الإبداعية والنقدية التي رأت النور خلال موسم 2018-2019، على الصعيدين المغربي والعربي، بالإضافة إلى فقرات مع كاتبات وكناب يقدمون من خلالها جديد مشاريعهم الفكرية.