إدريس الأندلسي
قال قائد سفينة الحكومة، موجها كلامه لشابة مستشارة في مجلس مدينة أكادير، أن تترك الأمور السياسية الكبرى للزعماء ، و أن تقتصر في كلامها، على ما يجعل جلسة المجلس تمر بطريقة ” مزيانة”. لكن السيدة المستشارة كان لها تعليق من الطراز السياسي الرفيع الذي يبين مستوى تكوينها السياسي. بدأ المشهد الذي تناقلته وسائل التواصل بكلام موزون و تساؤلات جد عادية حول مخصصات الميزانية. تطرقت المستشارة، التي تنتمي لأغلبية المجلس و الممثلة للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لمدى تطابق أرقام بعض أبواب الميزانية مع مضمونها و أسباب برمجتها. كانت اسئلتها دقيقة حول مخصصات مالية لمصاريف الاستقبال و الضيافة و التدريب و اقتناء تجهيزات و مواد رياضية. تساءلت عن غياب التدريب الممول من طرف المجلس خلال السنة الماضية و عن خطر اثقال مصاريف الإستفادة من التجهيزات و البنيات الرياضية في وقت تتزايد فيه الأسعار.
ظهر امتعاض على وجه السيد الرئيس اخنوش دفعه إلى الرد بصفته الحكومية و صفته السياسية العليا . ما قاله كان تعبيرا ” صادقا و صريحا” عن تردي النظرة إلى الممارسة السياسية. جعل للنقاش حول السياسة المحلية خطا احمرا يفرق بين كلام ” الكبار” و الكلام الذي هو مباح ” للصغار” . و الصغار هم كل ممثلي الأحزاب الذين لا يوجدون في قمة الهرم الحزبي. و يمكن ترجمة رسالة اخنوش كخطاب موجه للشباب ” أن إذا كنتم في حضوري أن تعرفوا حجمكم الصغير و تتركوا الكلام في السياسة للكبار فقط”. و يشبه هذا الخط الأحمر ذلك المنع الذي يربط مشاهدة الأفلام السينمائية بسن المشاهد. و عرى السيد الرئيس، من حيث لا يدري، عن دور ” الصنيورين و الصنيورات” في الكواليس و عزل الباقي عن التدبير و القرار. كانت الرسالة واضحة عن واقع و مستقبل اللعبة السياسية في بلادنا في وجود هذه ” النخبة” التي خلطت الأوراق و هددت الأرزاق.
حمل هذا المشهد ،الذي حصل في مدينة أكادير و بالضبط أثناء انعقاد اجتماع هام لمجلسها، بصيصا من الأمل حمله رد السيدة المستشارة الشابة على السيد الرئيس ” الصينيور”. أكدت على أهمية التكوين داخل شبيبة حزبها و وصفت جواب الرئيس ” بالقاصر” .و قد يكون الكثير من مناضلي شبيبات الأحزاب متفقين مع توصيفها لكلام ” الصينيور” . لم تشكك في كل ما تحقق بفضل إرادة عليا للرقي بالبنيات التحتية لأكادير ، و لكنها أرادت أن تغني النقاش عبر قراءة تحليلية و نقدية لأرقام الميزانية. كان على الرئيس بوصفه ” الصينيور ” أن يثمن تدخلها و يثني على اجتهادها دون احتقار لموقعها في حزبها . و لكنها أجابت بطريقة سياسية حين ” حمدت الله أن حزبها علمها أن تكون صينيورة منذ أن دخلت إلى الشبيبة الاتحادية ” . و زادت بعد وصفها لكلام الرئيس بالقاصر، بكون العمل الجماعي هو عمل سياسي بامتياز مع تسجيلها لكون ما قيل صادر عن رئيس مجلس أكادير و الحكومة و حزب.
و هنا يجب أن نقف، كما كان يقول أحد المعلقين الرياضيين خلال كأس العالم الأخير، للقول بأن زمن احتقار السياسة صنعه زعماء من دخلوا مضمارها بالمنطاد و المظلة الكبيرة. لم تصبح السياسة مهانة من طرف الشعب بكافة اطيافه بل أرهق جاذبيتها من افسدوا العملية الانتخابية و ارسوا سلوكات ” أنصر أخاك في الحزب و الطبقة ظالما أو مظلوما”. اغتنى الكثير من الغرباء على السياسة بإفسادها و بقهر طموحات الشباب و الاطر الكفؤة التي كانت في قلب صنع الأمل في مجالات الإقتصاد و الثقافة و الرياضة و تدبير الجماعات الترابية بما تيسر من الموارد و في إطار صراع سياسي لم يهدأ إلا غداة ما سمي بالتناوب التوافقي. هبط حتى مستوى الكلام و تدنت وسائل التعبير اللغوي بالدارجة المغربية. لا زال الأمل قائما ما دامت قدرات الشباب تمكنه من التفاعل النقدي البناء مع كل البرامج و السياسات. مستشارة أكادير لها مثيلاتها و أمثالها في كافة التنظيمات الجمعوية و السياسية و النقابية. الصينيور في كرة القدم ينسحب في بداية عقده الرابع. و الصينيور في السياسة قد يبدأ مشواره القيادي في العقد الثالث و يستمر ما دام قادرا على العطاء بكفاءة. أللهم ارحم ضعف من يرى في نفسه قوة تفوق كل من سواه من المواطنين.