إدريس الأندلسي
يمكن القول بشيء من التأكد و كثير من الشك في أسلوب صياغة القاعدة الضريبية، أن نقول أننا دخلنا مرحلة جديدة قد تكون ذات آثار سلبية على تدبير سياستنا الضريبية. بالأمس القريب حاول بعض العقلاء ممن خبروا مهنة التدبير المال العمومي أو ممن جعلوه مادة لأبحاثهم أن يسدوا شيئا من النصح لحكومة بلدنا التي نتمنى أن تكون رشيدة.
انطلقت في مضمار مشروع قانون المالية كما ينطلق الثور الهائج. و وضعت عشرات مشاريع تعديلات تهم مدونة الجمارك و مدونة الضرائب. الأمر ليس بالسهل و الهدف منه يقترب من المعقول المرتبط بحساسية مرحلة تتطلب تمويل ميزانية توخت مواجهة عدة مشاكل لها علاقة بالهشاشة و التضخم و نقاءص العرض الصحي و العرض التعليمي. ليس هذا فقط، الأمر صعب و يتطلب خلق فرص شغل بعد أن تجاوز معدل العطالة أكثر من 11% و ربما أكثر من هذا بكثير.
قالت هذه الحكومة أن الوقت قد حان لاستخدام سلاح يقضي على كل أوجه غياب العدالة الضريبية. و ككل من يحارب الغش و التهرب الضريبيين، كان لازما إستخدام كافة الأسلحة القانونية لتوفير موارد لمواجهة نفقات كثيرة جدا و مكلفة جدا و مرتبطة جدا بالاستثمار و الخدمات الإجتماعية و خلق فرص شغل يتجاوز ما أعلن عنه غداة تكوين الحكومة ك ” فرصة و اوراش ” و أحلام لا زالت أحلام يقظة تجعل الجريح يتأوه في إنتظار طبيبا بيده دواء من بينه حقنات ضد الهشاشة و الفقر و المرض و خصوصا لتقوية الصبر بعد نكث وعود انتخابية كانت سخية فتوارت إلى أجل غير مسمى.
نعم جاءت الحكومة بعزم على أن تصلح نظامنا الضريبي. وعدت بتخفيف الضغط و كان الوعد موجها و لو مؤجلا لأصحاب الشركات. الضريبة على الأغنياء ستسير في منحنى سيصل إلى تضريب قد يصل 20% . و في إنتظار أجل موعود سيبقى الحال على ما هو عليه. كل هذا مع أمل في زيادة الضريبة على الأرباح التي تزيد على 100 مليون درهم. و المعنى أن المحصول سيكون ضعيفا جدا. هل وصلنا في بلادنا إلى درجة اعتبار الأرباح التي تتجاوز 3 ملايير سنتيم أو 4 أو 5 أو…9 ملايير مجرد أرباح عادية يجب أن تظل في خانة الأرباح المتوسطة. الأكثر من هذا أن فرض الضريبة على الشركات بسعر 40% لن تمس شركات استيراد المحروقات و شركات الإتصالات. و ستظل الأبناك و شركات التأمينات هي الموعودة بهذا السعر.
الأخطر من هذا هو التلويح بخطاب شعبوي كبير حول التخفيف من العبىء الذي يتحمله الاجراء و المتقاعدين. و أكثر المنتفعين من هذه الإجراءات لن يحلم إلا بزيادة لن تصل إلى 100 أو 200 درهم. أما المتقاعدون ممن كانوا يعتبرون في مستوى الطبقة الوسطى التي تدخر، فقد قيل لهم واجهوا كلفة امراضكم المزمنة و كلفة من لا زالوا تحت كفالتكم و لا تتمتعوا بسفر خلال ما تبقى لكم من حياة. و يا ليت هذه الحكومة المصلحة، رعاها الله و الهمها سبل التقوى و اليقين، تمكنت من حصر قيمة الهدايا الضريبية و التحفيزية للأغنياء. و نتمنى لرئيسها التوفيق إن هو كان صاحب إرادة لحمل لواء العدالة في التوزيع. لا نريد ارقاما عامة بل ارقاما تحمل تفصيلا لتوزيع الدعم حسب الفئات. السيد رئيس الحكومة يعرف أن دعم الغاز بأكثر من 20 مليار درهم يذهب للأغنياء و خصوصا أصحاب الاستغلاليات الفلاحية الكبرى و كثيرا من أصحاب الصناعات.
لا يمكن أن ننكر ضرورة الاحتكام إلى دستور المملكة الذي وضع الأساس للقاعدة القانونية الضريبية و هي مساهمة كل مغربي في تمويل المرفق العام حسب قدراته. يظهر جليا أن الإبداع السياسي في التعامل مع مقتضيات القانون الإطار للجبايات و مع كافة توصيات المناظرة الثالثة للضريبة كان غائبا. التسرع في التعامل مع الاجراء و المهن الحرة التي يخضع أغلبها للضريبة على الدخل المهني أدى إلى عكس الأهداف المتوخاة من مشروع العدالة الجباءية. تحرك المحامون ضد ما ورد في مشروع قانون المالية و هم على حق. ما معنى تسبيق دفع الضريبة عن طريق ربط تقديم ملف قضية خلال كل مراحل التقاضي؟ الأمر محير بكل المقاييس.
المحامون و الأطباء و المهندسون و غيرهم من المهن ليسوا فوق القانون و لا على هامشه. هم من أبناء هذا الوطن و لم نسمع أنهم رفضوا أداء واجبهم الضريبي. و هذا الواجب يقتضي تصريحا بالدخل و مراقبة ضريبية و قد يتطلب الأمر مراجعة أو حتى غرامات جزرية كما هو الحال بالنسبة لكل الخاضعين للضريبة على الدخل أو على الشركات. اليوم و بعد إضراب المحامين و التراجع عن ما ورد في مشروع قانون المالية لسنة 2023 ، ستتسع رقعة المعارضة الضريبية و سيتطلب الأمر تراجعات و مراجعات حتى قبل تقديم تعديلات البرلمانيين على مواد مشروع قانون المالية. الأمر خطير و يحصل لأول مرة. من له قوة ضغط سيتحرك. أما المتقاعدون الذين لا يتفقون مع تعامل الحكومة مع مطالبهم فسيكفي أن ترفض فرق الأغلبية مطالباتهم لكي يتيقنون أن أمرهم يتطلب شيئا من عزيمة المحامين و الأطباء و غيرهم. و من يواجهون مطالب المتقاعدين اليوم هم من سيتباكون غدا على وضعهم حين سيعبرون إلى ضفة أخرى سيحملون فيها صفة متقاعد.
لأول مرة يأخذ النقاش حول الضريبة مسارا تحكم فيه الارتباك. وزارة براسين و بمنطقين و بمنهجين و بخطتين في الدفاع و الهجوم لا يمكن أن ينتج عنها مشروع متكامل. العدالة الضريبية ستظل مجرد توصيات حملتها مناظرات ثلاثة و اقبرها 24 قانون مالية احتقر دخل الاجراء و احترم دخل رأس المال ، و لله الأمر.