كاركاتور مكتوب للطائفية التي تشد الشرق الى زمن ماقبل الوطن والوطنية والمواطنة والى ماقبل الحداثة وتجعل الولاءات مفتوحة على العمالة وعلى الحرب والقتل والهدم وتخريب الحضارة. في الشرق العربي مايزال اثر التحكيم بين علي ومعاوية فاعلا ومقسما. للناس الى طوائف ترفض تنظيم العيش المشترك على اساس القانون في دولة القانون. في الشرق يستمر الاستقطاب والاحتراب على اساس الخلافة والحاكمية وولايية الفقيه وتعتبر الاقليات الاشورية والازدية والمسيحية خارج حسابات العصبيات الطائفية الغالبة، اي بدون في النهاية. في الشرق العربي تستمر القبائل والعشائر والافخاذ والعائلات منغلقة وتستكمل لحمتها الدموية والعرقية باللحمة المذهبية الطائفية التي لا يمكن ان تولد غير العنف والعدوانية والحروب الاهلية ويستحيل معها نشوء دولة فيبرية تحتكر العنف المادي، وبرديوية تحتكر العنف الرمزي، في الشرق العربي ايضا تستمر الحروب ماقبل الاسلامية بين البيزنطيين والفرس بالوكالة وبالتدخلات الرعناء التي تستبيح سيادة الدول العربية ذات النشاة الحديثة.
كثيرون هنا لا يريدون ان يفهموا ان ال فضاء المغاربي كان ميالا باستمرار الى الاستقلال عن الشرق وان المغرب على الخصوص تمكن من تحقيق ذلك الاستقلال وبناء امبراطوريته، واننا استطعنا في هذا الفضاء القطع مبكرا مع طوائف الشرق بانتشار مذهب واحد مالكي، او بالاحرى نصف مالكي طوره التونسي ابو. القاسم وعمل على اغنائه فقهاء حاولوا الجواب على اسئلة واقعهم ب تطوير فقه الضرورات والاستفادة من علم الاصول الذي ابتدعته المدرسة الاندلسية والشاطبي.
كثيرون من الاسلاميين وغير الاسلاميين لم يقدروا اهمية ان نتوفر في المغرب والمغرب العربي على هذا القدر من الانسجام Homogénéité الذي عمل عليه في العصر الحديث فقهاء وطنيون ومتنورون من قبيل الزعيم علال الفاسي عندنا الذي كتب كتابا مرجعيا في زمنه يعكس عبقرية الرجل، واعني به كتاب النقد الذاتي، وكرس كتابا اخر للمدرسة الفقهية المغربية-المغاربية المقاصدية التي نعرف من رموزها استاذه محمد بن العربي العلوي ومجايله المختار السوسي.
لايسقطن احد ما يقع في الشرق على المغرب، فقد حسم التاريخ القطيعة على مستويات عديدة، وان كان هناك بالتاكيد ارث مشترك، فالشرق حين دخل الجزائر الشقيقة عبر الاخوان المسلمين ، الذين حاول عبدالناصر ابعادهم وتبنى الازهري بومدين من كلفهم بتعريب واسلمة الجزائر ، وتمكن من نقل سلعته الطائفية زرع بدور العشرية السوداء.
الشرق يحتاج الى تملك مفاهيم الوطن والمواطنة خارج الاطر الطائفية وصراعات القوى الاقليمية الساعية للهيمنة، والتي لاتقل خطورة عن دولة الاحتلال الصهيوني التي زرعت اصلا لضمان استمرار ردود الفعل الهوياتية الطائفية في ظروف تم التلاعب فيها في نفس الوقت بالعرب، وبلوغ ذلك صعب جدا نظرا للتعقيدات التي رسخها التاريخ البعيد في منطقة خرجت منها الاديان السماوية واديان اخرى سابقة او لاحقة. حداري من الإسقاط.
محمد نجيب كومينة / الرباط