أنسحب من التصويت لأنني أحب الوطن
الطالبي العلمي و نعت خيانة الوطن
إدريس الأندلسي
نعيش أياما لا تستحق أن تذكر كجزء من تاريخنا السياسي. هجمت كائنات انتخابية على الوطن و ظنت أنها جديرة بالتكلم بإسم هذا الوطن. توطدت علاقة هذه الكائنات بكل الآليات المؤدية إلى الحضور الممل في المؤسسات المنتخبة و في الجمعيات و على رأس مراكز القرار الحزبي. يمكن القول، بكثير من الوعي بدقة المرحلة التي يحتازها وطننا ، أننا في طريق ضيق ،مختنق و متخم بخطاب غارق في التفاهة، و أننا سنندم على ما فات من علاقتنا مع الوطن عبر مسؤولين، جلهم قضى نحبه، ” و منهم من ينتظر” ، و لم ينعتوا من خالفهم الرأي، أو الموقف السياسي، أو الإنسحاب في لحظة تصويت على مشروع قانون، أنه ” خيانة للسيادة الوطنية”. لم أتمكن من عدم ربط هذا التوصيف، أو هذه الزلة التي تبين درجة وعي أحد اقطاب حزب ” إداري ” يقود الحكومة. تيقن رئيس مجلس النواب أنه قادر على قول كل شيء، و نقيض كل شيء، و نعت، من يخالفه الموقف، بأوصاف لا يمكن أن ينعت بها إلا من خان الوطن. و هؤلاء يمثلهم في تاريخنا من وقع سنة 1953 على وثيقة تهجير الملك محمد الخامس و أسرته إلى مدغشقر. و يمثلهم كذلك اؤلئك الذين كانوا وراء محاولتي الانقلاب على الملك الراحل، الحسن الثاني في يوليوز 1971 و غشت 1972. و رغم خيانة تمت بفعل جزائري ، رفع الملك الراحل الحسن الثاني الحرج عن الكثيرين، و له الحق و التاريخ، أن الوطن غفور رحيم. لا أتوقع أن تصل جرأة رئيس مجلس النواب إلى هذا الموقع و هذا المدى. إن نعت المعارض للحكومة بهذا الوصف لا يجوز قانونا. و لا يحق لآخر، غير ذي صفة، و هو الملك أن يقول ” إن الوطن غفور رحيم”
و ستظل كثير من الجرائم، رغم ثقلها، غير كفيلة بنعت مرتكبيها ” بخيانة السيادة الوطنية “. نعتبر كثير من المواطنين غير ملتزمين بالقانون. و لا يمكن نعتهم بخيانة سيادة الوطن. هناك من لم يمتثل للقانون الأسمى للوطن و هو الدستور. و كثير من الممارسين للسياسة امتنعوا عن أداء الضرائب و حقوق العمال، و لم يتم وصفهم كخونة للوطن. صوتت الأغلبية لتمرير قانون الإضراب. لم ينكر من صوت ضد أو امتنع أو أنسحب خلال التصويت على هذا المشروع، أن هناك نقاط سجلت توافقا بين الحكومة و الباطرونا و النقابات. و لكن الإختلاف، حول مبادئ أساسية، لا يمكن أن يتحول إلى سلطة نعت الآخر بالخيانة للوطن.
هذا زمن السياسيين في بلادنا في سنة 2025. عشنا قبل عقود، وفي قلب سنوات الرصاص، و لم يصل الأمر إلى تفوه رئيس مجلس النواب التابع لرئيسه و المهيمن، في مضمار عالم التجارة و الصفقات العمومية و الطاقة، على القرار، بمثل هذا الكلام. لا يمكن أن ينعت أي كان من كان، أقدم و أكبر مركزية نقابية، إلى جانب كل المركزيات النقابية، بعدم الوفاء بالوطن. هل يجهل رئيس مجلس النواب، الذي ولد بعد الاستقلال، أن المحجوب بن الصديق و عبد الله إبراهيم و كل قيادات العمل النقابي و السياسي، قد كانوا ضمن الأوفياء للوطن. كلهم عاشوا مرارة التعذيب و الاعتقال و التشرد .
خيانة الوطن و السيادة الوطنية جريمة كبرى. لو ثبتت في حق أي مناضل من جيل مقاومي الإستعمار، و جيل الدفاع عن حقوق المواطنين خلال الستينات و السبعينات و حتى الثمانينات، لكان لكلامي موقع ضمن حثالة البهتان . نعم يجب أن تتحصن كل التنظيمات النقابية بقوة الشفافية و التدبير الديمقراطي، و لكنها يجب أن تظل قوية في زمن ليبرالية لا تقبل إلا بسلعنة قوة العمل. فلنحذر جميعا من فعل و كلام اؤلئك الذين لا يعرفون قيمة الخطاب و و وزن الكلمات. لقد تم التصويت على مشروع قانون الإضراب بأقلية مفرطة في الغياب. فهل كل من غاب عن التصويت في المجلس الذي يرأسه الطالبي العلمي خائن لسيادة الوطن؟؟؟؟