آخر الأخبار

الطـمـــوح

عبد الرحمان الخرشي 
.
كيف نزرع الطموح في واقعنا وربما في جيلنا المغربي الحالي والأجيال القادمة؟
سؤال يوجه المتأمل في واقعنا الحالي، وهو منحوث من صخرهذا البلد الأمين لذا فهو يتطلب إبرازه والبحث عن جواب مقنع له؛ باعتباره من المواضيع المفيدة لبناء كياننا المغربي العربي المسلم.
في البدء أسأل ما الطموح؟ الطموح في اللغة من مادة( ط. م. ح ). نقول: طَمَحَ بصَرُه إلى شيءٍ: ارتفع.. وكلمة( طِماحاً ) مثل طَمَحَ.. وكل مرتَفِع طَامِحٌ.. ورجُلٌ( طَمَّاحٌ ) صيغة مبالغة فهو شَرِهٌ إلى الطموح؛ وبناء عليه فالطموح إحساس ونزوع نفسي ينزع بالمرء إلى الارتفاع في طلب المعالي.. وطلب المعالي: نداء الأحرار، وتاج الحكام الصالحين، وشعار الأمراء الأخيار، ومنار الفلاسفة، والحكماء، ومقصد الأدباء، والشعراء، وطلبة العلم، وغيرهم… فالطموح غاية هؤلاء؛ وكلهم يسيرون نحوه كالأسود الظافرة لا يرهبون خطراً ولا يقدمون حذراً.. وللطموح جملة تعادلها في الدلالة؛ وهي جملة: علو الهمة:
ومنْ تكنِ العلياءُ همة نفسِهِ
…………. فكلُّ الذي يلقاهُ فيها محبَّــبُ
ولله در الشاعر صفي الدين الحلي:
لا يمتطي المجدَ من لم يركب الخطـرا
…………..ولا ينالُ العُلا من قدَّمَ الحذرَا
وغير الطَّمُوحِ نسميه” الخامل “؛ فالخامل ينظر إلى المعالي من بعيد، وهي بين يديه أقربَ من حبل الوريد لضبابية في رؤياه، وفي نظرته للحياة.
إذا ما تمنَّى المرءُ إدراك غايةٍ
…………..عليه بإِهمال التقاعُد والكســلِ
فلا تبلغَ الغاياتِ من دون همَّةٍ
……….ويحظى بها الإنسانُ بالكَدِّ والعَمَلِ
وأول سبيل لإدراك الطموح- وهذا توجيه للشباب – هو الإقدام والتعب؛ فالشباب الذي لا يَقْدِمُ على الأمْـرِ الخَطِرِ بِكُلِّ عَزْمِهِ لا يَنَالُهُ أبداً، والذي لا يتعب في غايته ولا يسقيها من ماء عرقه، وماء فكرته لن يدركها، وكيف ينال العلا من طَبْعُه الكسل؟
يا منْ يسامي العلا عفْواً بلا تعبٍ
………… هيهات نيل العُلا عفواً بلا نصبٍ
فقد جعل الله سبحانه وتعالى الراحة في بساط التعب، والمجد من شامخات المصاعب، وتاج العلا على هام المُجِد المجاهد؛ قال عليه الصلاة والسلام:( لا تأتوني بأنسابكم وائتوني بأعمالكم )، وقال أيضاً:( لو تَعَلَّقَتْ هِمَّةُ أحدِكُمْ في الثريا لنالها )، ويقول الشاعر المصري عبد الرحمن شكري- وهو صادق-:
ليس الطموحُ إلى المجهول من سَفَهٍ
…………… ولا السُّمُــــوُّ إلى حَقٍّ بمكـــــروهِ
فالعَيْشُ حُبٌ لِمَا استَعْصَتْ مَسَلِكُهُ
…………. تَجَــارِبُ المَـرْءِ تُدْنِيــهِ وتُعْلِيـــــهِ
ولله ما أروع شاعر العربية المتنبي وهو يُذكرُ بثمن الطموح:
إذا كانــتِ النُّفُـــــــوسُ كِبـــاراً
………… تَعِبَـــتْ في مُــرادهــــا الأجســامُ
ولنتدبر قول سيد الطامحين في عصره الشاعر التونسي الشابي:
إذا ما طَمَحْـــتُ إلى غَايــةٍ
…………… لَبِسْتُ المنى ونَسِيتُ الحذَرْ
ومن لا يُحِبُّ صعودَ الجبالِ
…………… يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بين الحُفَــرْ
ومن الأمثال الكونية التي تحث على الطموح؛ عند الأتراك:( الطموح دَائِمَ الجُوع )، وعند التشيك:( الطموح لا يشيخ )، أما فيزيائي والرياضي والفيلسوف الفرنسي مخترع الآلة الحاسبه فقرر وهو صادق( تكون الحياة سعيدةً عندما تبدأ بالحُبِّ وتنتهي بالطموح ).
لذا فمن شمر عن ساق الجد وجد مفتاح الجد، ومن عشق المعالي عانق العوالي:
كُلٌّ له غرضٌ يسعى ليدركه
………….. والحُرُّ يجعلُ إدراكَ العُلا غرضَه
.