د، ع، بلكبير/ المضيق
نظريا، فإن هذين، هما الإحتمالان الوحيدان و الممكنان، للآفاق المنظورة للحرب القائمة ضد فلسطين؟ غير أن الوقائع الفعلية و اليومية، تشير إلى غير ذلك، الإعلام السائد، يوحي أن الصراع هو بين طرفين منسجمين من حيث مكوناتهما الداخلية الخاصة، و بالتالي فإن منتوج صراعهما، سيتم حسب ميزان القوة ( العسكري خاصة) بينهما و الحقيقة غير ذلك، حيث إن أوضاعهما الداخلية، و تماسك وحدتها أو تفككها…هما من سيقرر في آخر المطاف، بل و هما ما يفسر وضع شبه الإستقرار و توازن القوة و الردع بينهما، و ذلك طبعا باحتساب التناسب بين مزايا و ( امتيازات) كل طرف منهما ( ميدانيا/ اقتصاديا/ نفسيا/ تحالفيا/إعلاميا…إلخ) تاكتيكيا و مرحليا، فإن الطرف الأقوى هو الكيان و من خلفه، غير أن نقطة ضعفه القاتلة استراتيجيا، تكمن في تعدد و تراكم و تزايد تناقضات مكوناته، ليس فقط في الكيان، بل خاصة في مستخدميه، أقصد الأطلسي أولا، و ( و م ا) أساسا، بل إن تناقضات الكيان، ليست، في آخر أي تحليل، سوى انعكاس، لتناقضات أمريكا الداخلية، العامودية و العميقة و الإستراتيجية، و ما حالة المراوحة السياسية والعسكرية في غزة و المنطقة، إلا انعكاس لحالة مراوحة التناقض الأمريكي-الأمريكي، إياه
أمريكا غير موحدة المصالح و الرهان و الموقف من العدوان، هي متفقة على دعم الكيان، و رفض انهزامه، و لكنها مختلفة حول السبيل إلى ذلك بالتمدد، أم بالصفقة، و لأن الميدان و توازناته، لم يرجح احتمالا على آخر، و لأن ميزان القوة بين المعسكرين في أمريكا، لم يحسم بعد لصالح أي من الطرفين، فإن الوضع يعيد إنتاج شروطه، إلى حين،
لا يتعلق الأمر إذن بشخص النتن، و بقية ( اقليته) الدينية و الحربية الحاكمة، و لا بالأحرى بتدبير (= نفاق) أمريكي متوافق عليه، بل بصراعات تكاد تصل حدود الإنفجار في أمريكا نفسها، و بالذات، توازن علاقات الطرفين غير مستقرة، بل متحركة، و ديناميكية أحيانا، و تخضع لمنطق و قواعد ( الديموقراطية الليبرالية) أو البورجوازية : الخصومة ثابتة، و الصواب حاصل، أي الصراع دون دماء، و الذبح بالقطن، و تأكيد المشترك الرأسمالي، و تصريف المختلف عليه بعيدا عن الداخل، و خارج أمريكا، و من خلال حلفاء الطرفين، في شعوب و دول العالم و هيئاته و منظماته المدنية و الدولية، بعض هذا، هو ما يفسر مثلا انفجار تناقضات الشارع الأمريكي في الموضوع، مواقف المحكمتين الدوليتين، المواقف المتناقضة في دول الاتحاد الأوروبي، منظمة التعاون الإسلامي، و أعمدتها : الخليج، مصر و الأردن و تركيا و تظاهرات المغرب …بل إن الصراع التناحري في الكيان، هو نفسه انعكاس لتناقضات أمريكا، فالإنقلاب العنيف على ( الصهيونية) و بالتالي على ( أسلو) و حل الدولتين، و تشريع ( الدولة اليهودية) إذن غير العلمانية، و لا الصهيونية بالنتيجة، بلوغا إلى محاولة الإنقلاب على ضمانة ( المحكمة العليا) لوحدة أنماط اليهوديات المشكلة للكيان، و منها إرغام التوراتيين على التجنيد…كل ذلك و غيره هو منتوج تقاطع، و حتى تطابق مصالح المجمع الصناعي العسكري الأمريكي المتوحش، من جهة، و تحالف تجار الدين الأحبار التلموديين، مع تجار السياسة و الحرب في إسرائيل، و انتقال الصهاينة إلى المعارضة، غير المتكافئة، في الشارع؟
في الحالتين، الأمريكية و الإسرائيلية، و في العلاقتين، مع صمود المقاومات و مع العالم الخارجي، بما في ذلك الصين خاصة، و قد أضحت، أو أرغمت على ممارسة السياسة كقوة عظمى مسؤولة، و ليس ( البقالة) كما كانت و لا زالت تفضل، فإن وضع ( الإستقرار ) و المراوحة السياسية والعسكرية، هو المرجح في الإستمرار، لا صفقة مرضية، و لا حرب شاملة، و هو ما يعني ( السقوط الحر ) في استراتجية المقاومة و التي أعلن عنها السيد منذ اليوم الثاني للحرب : لن نقبل بهزيمة حماس، و سننتصر بالنقط، لا بالضربة القاضية، ما يعني استنزاف جبهة الأعداء، بالنفس الطويل، و على جميع الجبهات و في جميع الميادين ( اقتصاد، مال، تجارة، خدمات، إعلام، سياسة و ديبلوماسية، قضاء دولي…فضلا عن المواجهات العسكرية…)
في مقابل تفكك و انفجار تناقضات العدو، تراكم المقاومة انتصاراتها، خاصة بتصاعد وحدتها، استراتيجيا، و تنوع أنماط نضالاتها ضد الإمبريالية تاكتيكيا، و أهم ذلك، تقارب بل و قرار وحدة السلطتين، في الضفة و غزة من خلال تشكيل حكومة مفاوضات و تعمير، و إشراف على انتخابات ديموقراطية لإدارة الدولة الفلسطينية الانتقالية ( بيان بكين) التاريخي، إذن طي صفحة من صراع الوجود، و فتح أخرى، سيكون فيها الدور للشتات الفلسطيني، أهم من الداخل الفلسطيني
كنت دائم القول، بأن الإنقسام في صفوف المقاومة، و عربيا، ليس مضرا، إلا في لهجته، إذ لو كان العقل حاضرا، لمورس بأقل الخسارات الضرورية، كما يصنع الأعداء في تدبير تناقضاتهم
لقد اتضح للجميع اليوم، أن نمطي أسلو، و السلاح، ليسا متعارضين، و إن كانا متناقضين، تاكتيكيا و مرحليا، هما في النهاية متكاملين استراتيجيا، و ها هي ذي حماس تنتهي، إلى نفس ما انتهى إليه البرنامج المرحلي للمنظمة في مؤتمر الجزائر ( مقترح الجبهة الديموقراطية) فالسياسة موازين قوى دينامية…و ليست برامج و مطالب و حسب، و عندما أثنى السنوار على الشهيد عرفات، كان يقصد هذا بالذات
إن عرفات اضطر و لم يختر، تماما كما اضطر هو اليوم أيضا قبول العمل تحت قيادة سلطة أسلو؟ و ذلك من خلال حكومة يعينها الرئيس عباس
هل إن ذلك يعني عبثية ما جرى كل هذه السنوات، أقول لا، بل العكس، إنما كان يمكن أن يحصل بأقل الخسائر ( خاصة كوارث الربيع في مصر و سورية و ليبيا و تونس) و تعظيم المردودات، و تلكم هي جدارة القيادة في كل زمن و مكان، و ليس التضحية و الإستشهاد…أساسا
يقول هيغل ( إن كل ما هو واقعي، فهو عقلي) و العكس صحيح ايضا، إن ما وقع، هو المعقول الممكن… و ما كان أحرى أن يقع بعقل ليكون أسرع، و بخسائر أقل
تقول الحكمة الفارسية العريقة ( إن السياسة العليا، لا تتاح عند لحظة الإختيار بين الأفضل و المفضول، فهذه يتقنها حتى الأطفال، بل عند الإضطرار في الإختيار بين السيء و الأسوأ), و على كل، فإن تحضر العقلانية، و لو متأخرة، خير من أن لا تحضر، فشكرا جزيلا، لحماس بهذا الجهاد في النفس أولا، و هو ما أهلها لكل هذا الحصاد الوفير و العظيم عربيا و عالميا، بحيث، كما راهن و صرح السنوار علنا، أن هدفه كان هو تنزيل و تطويق الكيان، من قبل جميع دول و شعوب العالم، و ذلك بتفعيل و تنشيط كل ما تم إنجازه إعلاميا و سياسيا و ديبلوماسيا من قبل الثورة الفلسطينية و حلفائها منذ انطلاقها المعاصر ( 1965)
أخيرا، أنبه إلى أن جبهة المقاومات، التي تمكنت حتى الآن من الحفاظ على تماسك وحدتها، في مقابل تآكل جبهة الإمبريالية، ستتعرض، مع انطلاق المفاوضات الجادة القريبة، إلى بداية اختلافات ثانوية غالبا، أقصد أن الذين يستعجلون وقف العدوان، و عقد صفقة التبادل و تأسيس حكومة التعمير…ليسوا جميع من في جبهتنا اليوم، ما عدا الصين، ذلك أن روسيا مثلا من مصلحتها كدولة استمرار الحرب، لأنه يفيدها في انشغال أعدائها عنها في أوكرانيا، و كذلك إيران، المستعجلة، عن حق، في بلوغ العتبة النووية، و استمرار الحرب يفيدها، و من حقهما ذلك في الحالتين، أقول فقط، إن ذلك لن يكون له تأثير ضار، و بعقل مقاوم و محاور استراتيجيا و كونيا في نفس الوقت،
تستطيع هذه الجبهة المنتصرة بحول الله، على الأطلسي المتوحش، أن تتجاوز هذه العقبة المحتملة، بأقل الصعوبات الممكنة و المحتملة
د، ع، بلكبير/ المضيق :