عبد الحق غريب
تعرف معظم الدول الأوروبية، على غرار باقي دول العالم، موجة احتجاجات مستمرة بسبب ارتفاع معدّلات التضخّم وغلاء المعيشة، نذكر على سبيل المثال بريطانيا ( يناير 2023 وهي الاحتجاجات الأكبر من نوعها منذ سنوات)، والبرتغال (فبراير 2023)، وإسبانيا (مارس 2022)، وألمانيا (نونبر 2022) وبلجيكا وإيطاليا وفرنسا ورومانيا واللائحة طويلة.
ولعل ما يميّز هذه الاحتجاجات هو الحشود الكبيرة من المتظاهرين في أهم شوارع المدن عامة والعواصم خاصة، والشلل الذي أصاب القطاعات الحيوية (النقل، الطاقة…) بهذه الدول. ومما لا شك فيه أن الفضل في ذلك يعود أساسا إلى إلى دور ومسؤولية النقابات والعمل الوحدوي، بالإضافة إلى وعي المواطنين بأهمية المشاركة في الاحتجاجات وأن الحقوق تنتزع ولا تعطى.
في المغرب اجتمعت كل المصائب : الارتفاع المهول والفاحش في أسعار مواد الاستهلاك أمام قدرة شرائية هي أصلا متدهورة، وإصرار الحكومة على تمرير مشروع قانون الإصلاح الثاني لنظام التقاعد هو الأسوء في العالم بعد ست سنوات فقط على تمرير الإصلاح الأول (لا يقل سوءا عن المشروع الحالي)، بالإضافة إلى انتشار الفساد وتغول الاستبداد ونهب ثروات البلاد والظلم والحݣرة وما إلى ذلك.
ما يحزّ في النفس هو أن النقابات (المركزيات النقابية والنقابة الوطنية للتعليم العالي…) تدعو إلى العمل الوحدوي للدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة وعموم المواطنين، وتنادي برص الصفوف من أجل التصدي للاستبداد والفساد… إلّا أن الواقع يقول العكس، وإلا كيف نفسر ما يلي (دون الحديث عما سبق، وما جرى ويجري بخصوص إصلاح التقاعد) :
1- دعوة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تنظيم مسيرات إقليمية يوم الأحد 19 فبراير احتجاجا على الأزمة الاجتماعية والارتفاع المهول والفاحش للأسعار في مواد الاستهلاك، في غياب غير مفهوم لباقي المركزيات النقابية والنقابات الأخرى ضمنها النقابة الوطنية للتعليم العالي، ليُطرح السؤال : أين العمل الوحدوي النقابي، ولماذا غابت النقابات الأخرى ؟
2- في نفس السياق (غلاء المعيشة)، قررت الجبهة الاجتماعية المغربية تنظيم مسيرات أو وقفات احتجاجية محلية يوم الأثنين 20 فبراير، وهو ما يعني خروج المتظاهرين خلال يومين متتاليين (الأحد والاثنين) احتجاجا على غلاء المعيشة… مع العلم أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل هي مكون من مكونات الجبهة الاجتماعية المغربية، ومنسق الجبهة عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية، وكلنا نعي جيدا إكراهات التعبئة ونشكو ضعف المشاركة في الاحتجاجات.
في الختام، لا بُدّ من التأكيد :
أولا، على تقديري واحترامي للنقابات الجادة ولكل المناضلين الشرفاء، وأن الهدف والمراد والمبتغى هو توحيد الكلمة ورص الصفوف، لمواجهة الاستبداد الذي توَغل وتغوّل والفساد الذي تفشى وانتشر، وللدفاع عن حقوق ومصالح الشعب المقهور؛
ثانيا، على أن المسؤولية مشتركة بين النقابات والمواطنين لتحقيق المطالب… مسؤولية النقابات تكمن في الإستقلالية والمبادرة والتأطير وتوحيد الكلمة قولا وفعلا، ومسؤولية المواطنين تنحصر في الانخراط والالتزام والمشاركة المكثفة في الاحتجاجات؛
ثالثا، على أن الحكومة تتحمل وحدها مسؤولية ما آل إليه الوضع الاجتماعي من تدهور واحتقان يهدد التماسك المجتمعي جراء قراراتها، وأن دورها هو إيجاد الحلول لكل المشاكل التي تعيشها البلاد، بعيدا عن جيوب المواطنين وكل ما من شأنه ضرب قدرتهم الشرائية.