إدريس الأندلسي
نعم نحتاج كشعب و كبشر إلى الإحتفال بعيد و بأعياد. العيد مناسبة للفرح الجماعي بمناسبة طقس ديني أو وطني أو حتى ذلك الذي يرتبط بالمواسم التي تشكل السنة الفلاحية أو بداية سنة ذات أبعاد اثنوغرافية أو قبلية أو دينية أو حتى اقتصادية. المهم هو الإحتفال الجماعي برموز لا تثير نعرات و لا تسعى إلى بث روح التفرقة بين أبناء الوطن. و هذا المعنى الأخير هو الذي يجسد الوعي بأهمية القاسم المشترك بين مكونات الشعب. في المغرب الذي يجمع ثقافات و تعبيرات جغرافية و عرقية يعتبر العيد مناسبة للحفاظ على اللحمة الوطنية بكافة مكوناتها.
قد نختلف سياسيا و نبحث عن الحلول لمشاكلنا الإجتماعية بشتى الوسائل و لكننا نسعى، بكل وعي، على الحفاظ على روح الأعياد. و كل من قرأ بعمق رمزية القرار الملكي بالاحتفال بالسنة الامازيغية قد يدرك أن الفكر الضيق لا يمكن أن يبني الأوطان. حل عيد الأضحى و لكل قراءته لهذا العيد. و لكن الإحتفال به يجب أن يجسد كثيرا من التلاحم الإجتماعي أولا و عدم استغلاله تجاريا لكي يصبح ثمن لحم الخروف يرتفع ليصبح صنوا للحوم الأسماك غالية الثمن و لبعض الأصناف من لحوم الطيور النادرة. تجولت ببعض الأسواق لأسجل ثمن أن الكيلوغرام يصل إلى 70 درهما بما في ذلك القرون و الرأس و ” الهيدورة” و الجهاز الهضمي و الكوارع. و هو ما يشكل حوالي 50% من الخروف و يرفع سعر الكيلو من اللحم إلى حوالي 140 درهما. و يتجاوز رقم المعاملات المرتبطة بخروف العيد 15 مليار درهم على أساس معدل سعر 3000 درهم و 6 ملايين أسرة مع الأخذ بعين الاعتبار أن 20% من الأسر لا قدرة لها على تحمل تكاليف هذا العيد.
و بما ان مجال الكلام عن الخروف و شعيرة عيد الأضحى أصبحت موضوعا يطغى على مواضيع الساعة، فقد انجرت كل وسائل الإعلام إلى خطاب متخلف اجتماعيا و متهافت على شرعنة خطاب ديني لا يهمه المستوى المعيشي للأسر و لا لحاجتها إلى تغطية مصاريف أهم بكثير من ذبح خروف. بعض المتكلمين المتقنين للتعامل مع الميكرفون داخل الاستديو ينتقدون كل شيء إلا ما يتعلق باعمال العقل في القضايا التي يعتبرونها دينية و لو كان باب الاجتهاد فيها مفتوحا بحكم الواقع. الاذاعات تتكلم عن صفات الخروف و لا تتكلم عن الهشاشة الإجتماعية لرب الأسرة يتكلم منشطو البرامج عن شعور الأطفال في غياب خروف العيد و لا يتكلمون عن غياب الكهرباء و الماء و أنظمة الصرف الصحي. و أغلب هؤلاء المنشطين الدكاترة في القانون و الفقه و العلاقات الدولية لا تهمهم شعيرة لأنهم يفضلون سفرا إلى شاطىء أو جبل بعيدا عن طقوس لم تعد ، حسب جلهم، تتناسب و وضعهم الإجتماعي و عدم تمكنهم من مواجهة الأعمال الشاقة المرتبطة بذبح الأضحية و ما تتطلبه من جهد و عناء.
الكل يعرف أننا نعيش سنوات عجاف كما كان الأمر قبل أربعة عقود حين توجه الملك الراحل الحسن الثاني إلى الشعب ناصحا إياه بالتخلي عن شعيرة عيد الأضحى للحفاظ على الثروة الحيوانية مؤقتا. بعض الطقوسيين رفضوا الأمر و لجؤوا إلى الذبيحة السرية، لكن النصح الملكي وجد صدى كبيرا لدى الشعب و رفع التكلفة عن الأسر التي تجد صعوبة في توفير ثمن الأضحية. الأقرن، الأملح يصيب ميزانية الأسرة في مقتل و يزيد من كثافة بعض خطباء الطقوس الذين يتجاهلون المقاصد و ينسون، ربما عن غير وعي، أنهم يشجعون على المفاسد. و هذه الأخيرة تتشكل من قروض لدى مؤسسات التسليف للاستهلاك و اللجوء إلى الاستدانة لدى الأقارب أو لتفضيل صرف ثمن خروف بدل ادخار لتوفير مصاريف ترفيه عائلي أو دخول مدرسي.
قد يقول بعض العارفين باقتصاد البوادي أن عيد الأضحى يوفر فرصة لمربي الماشية لتحريك عمليات تجارية تعود عليهم بنفع مالي. المشكل أعمق. الكثير ممن يتحركون في سوق الماشية هم من كبار مزودي سوق اللحوم الحمراء الذين استفادوا من منح و مساعدات المغرب الأخضر و الجيل الأخضر. و هناك سماسرة الأغنام الذين يجنون أرباحا كبيرة خلال أيام مستغلين صغار مربي الماشية و دعم الدولة لاستيراد الأغنام من إسبانيا أساسا. و هنا كان من اللازم أن يتدخل الوعاظ و المرشدون و الفقهاء و نجوم البرامج الإذاعية لقول كلمات توقظ العقول من سبات عميق و تستنبط النصيحة من روح الدين التي تأمر بجلب المنفعة بعد درء الضرر. أما الإحتفال بالعيد فهو مناسبة لتقوية روح التضامن و تشجيع من له القدرة المالية على مساعدة غيره ليس بتشجيعه على مراكمة اللحوم و لكن على بدعمه لمقاومة ما يتسبب فيه المرض و السكن من هموم. و عيد مبارك سعيد. و لتذكير من ذبح خروفا وجب القول أن ثلثه للفقراء و ثلثه للجيران المحتاجين و الباقي فهو له. و للتذكير أيضا أن المتسولين المحترفين يشكلون سوقا موازية لبيع اللحوم لأصحاب المطاعم التي حصلوا عليها بمهنيتهم المسيئة للمجتمع.