آخر الأخبار

الـبـرقـوقـي الأديـب الـمـحـقــق

المبارك الگنوني 

العِلْم رَحِم بيْن أَهلِه، فَأهلاً بِك أيها المتتبع اللبيب، مُفيدَاً وَمستفيدا،،مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدى،ملازما للأمَانَةِ العِلْمِيةِ، مسْتشعِرَاً أَن: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ] عبد الرحمن عبد الرحمن سيد أحمد البرقوقي، المعروف ﺑ «عبد الرحمن البرقوقي»: أديب وناقد مصري، ولد بمحافظة الغربية عام 1847م، تعلَّم في الأزهر الشريف، ودرس على يد الشيخ المرصفي، كما استفاد من دروس الإمام محمد عبده. أصدر بحُرِّ مالهِ مجلةً شهرية سُميت بمجلة «البيان»، وكان يكتب بها العديد من عمالقة الأدب أمثال العقاد والمازني وشكري وغيرهم. وللبرقوقي العديد من المؤلفات؛ منها «شرح ديوان المتنبي» و«شرح ديوان حسان». وقد توفي عام 1944م.

الحمد لله الذي غرز الحفظ في الأذهان، وركّب آلته في بني الإنسان، وميّزهم به عن سائر الحيوان، وخصّ هذه الأمة بحفظ أناجيلها في صدورها عن النسيان، وصلى الله وسلّم على نبينّا محمد المبعوث بالفرقان، إلى كافة الثقلين من الإنس والجان، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما تعاقب الملوان، وانتظم في الفلك الفرقدان والحُرّان، وانتصب في الفلاة السُّبيعان.إنّ المتونَ تضبط له شوارد القواعد، وتجمع عليه زوائد الفوائد.ويعتبرعبد الرحمن عبد الرحمن سيد أحمد البرقوقي “زِنْبِيلَ عِلْمٍ”الذي يـجتمع فيها أصول العلم وأحسنُه، كما يجتمع في الزنبيل أجود التمر وأطيبُه.

إنّ للحفظ أسراراً لا يعرفها إلا مثل الشيخ عبد الرحمن البرقوقي الاديب والناقد الازهري. كاتب بلاغي ومحقق لغوي ومخرج الشعر، شعر الفطاحل أمثال حسان بن ثابت والمتنبي، ومعجمي التراجم له كتاب “دولة النساء” عبارة عن رصد ثقافي لأشهر أعلام النساء في المجتمع والتاريخ والثقافة.شرح تلخيص المفتاح في علوم البلاغة محققاً وضابطاً لنصوص هذه البلاغة مقياساً على علوم العربية وآدابها، كما كتب وألف كتاب “حضارة العرب في الأندلس” لخص فيه الظاهرة العربية في الأندلس آداباً وعلوماً وإعماراً وإسلاماً.الشيخ عبد الرحمن البرقوقي أديب محقق ومثقف عالم وضع علم الأدب وتراث ثقافتنا بين الأصالة والمعاصرة في ذخائر وكتب ومصنفات ألفها باقتدار وصنفها بإتقان.إن قيمته المعنوية تعود إلى أصوله العلمية والاجتماعية والأدبية، فهو صنو الأدباء أدبائنا العرب في العصر الحديث كالعقاد والمازني والرافعي نسيبه وصديقه وحميمه. ، ومن هنا كان قول حفاظ أهل الحديث من الأئمة الكبار في علله، مقدّماً على قول شيوخ العصر فيه إذا اختلفوا، مهما كان الشيوخ قد توسعوا في الاطلاع على طرق الأخبار وأسانيدها، والسرّ فيه أنهم باحثون، والأولون حفاظ.

يحكي المؤلف «عبد الرحمن البرقوقي» تفاصيلَ رحلة قام بها في عقله، زادها خياله الخصب، لزيارة الجنة (دار القرار)، بعد أن صعد إليها ممتطيًا براقًا رائع الجمال، حيث يستقبله خازن الجنة (رضوان) على بابها السعيد، ثم يغتسل في أحد عيونها النقية؛ ليتطهر من أدران الدنيا وما طبعته في القلوب، ويصبح أهلًا لأن يعاين النعيم الذي أعده الله للمُتقين العاملين، فيرى أقوامًا كان يعرفهم في الدنيا طالما بذلوا الجهد في سبيل أمتهم ورقيها؛ كالشيخ «محمد عبده»، والزعيم الوطني «محمد فريد»، وآخرين يبدو أن أعمالهم قد عظُمت في نفسه، فتمنى أن يكون لهم في الجنة مقعد، مستخدمًا أسلوبه المميز، الذي يُعنى بحسن البيان، وتكثر به المحسنات اللغوية في غير تكلُّف.عرف الشيخ عبد الرحمن البرقوقي بذاكرته القوية،ويحث الناس على الإعتناء بملكة الحفظ،معتبرا أن كل حافظٍ إمامُ.

قال صاحب الرحبية أبو عبد الله الرحبي الملقب بابن المتقنة:

والثُلثانِ وهما التّمامُ*** فاحْفَظْ فكلُّ حافظٍ إمامُ

وقال الأستاذ أبو سهل الصعلوكي: “كان يقال العلم ما دخل معك الحمام” يريد: الحفظ، وهكذا قال عبد الرزاق: “كلُّ علمٍ لا يدخل معك الحمام فلا تعدّه”.
وقال بعض الفلاسفة: “العلم ما إذا غرقتْ سفينتُك يسبح معك” يقول: العلم هو المحفوظ، ذكر ذلك أبو هلال العسكري وابن الجوزي وغيرهما، وأشار إلى هذا المعنى الشافعي بقوله:

علمي معي حيثما يممتُ يتبعُني *** قلبي وعاءٌ له لا بطنُ صندوقِ
إنْ كنتُ في البيت كان العلمُ فيه معي***أو كنتُ في السوق كان العلمُ في السوقِ
وقال غيره:
ليس بعلمٍ ما وعى القِمَطْرُ ما العلمُ إلا ما وعاه الصدْرُ

الشيخ عبد الرحمن البرقوقي لا يجمع العلمَ ويكتبه في طروسه وكراريسه، دون أن يتعانى حفظَه، حتى إذا ذهبت كُتُبُه وكراريسُه ذهب علمُه، فبقي لا يدري شيئاً، وإذا حضر في مجلسٍ فتكلّم فيه الفضلاء والحفاظ، لم يزدْ على أنْ يقول كلما سمع فائدةً، هذه الفائدة في كتاب كذا! وهذا البيتُ في مبحث كذا! فينكشف بَهرجه، وينكبّ زغله، ويفتضح حاله، فيضحى كمن قيل فيه:

استودَعَ العلمَ قرطاساً فضيَّعه *** فبئسَ مستودعَ العلمِ القراطيسُ
وأنشد ابن الجوزي:
رُبَّ إِنسانٍ مَلا أَسفاطَه *** كُتُبَ العِلْمِ يَعُدُّ وَيَحُطْ
وَإِذَا فَتَّشْتَهُ عَن عِلمِهِ *** قَالَ عِلمِي يا خلِيلِي في السَّفَطْ
في كَرَارِيسَ جِيادٍ أُحرِزَتْ *** وَبِخَطٍّ أَيِّ خطٍّ أَيِّ خطْ
فإِذَا قُلتَ لهُ هات إِذَن *** حكَّ لَحْيَيْهِ جَمِيعًا وَامْتَخَطْ

لا شك أن المصنف البرقوقي قد عاد في اختياراته هذه إلى المصادر والمراجع المكثفة للجاحظ وابن قتيبة والمبرد وابن عبد ربه والأصفهاني صاحب الأغاني وأبي علي القالي وسواهم في القديم والحديث، وخرج الكتاب بذلك في أحلى حلة بجديده وقشيبه.ذلكم أديب محقق ومثقف عالم وضع علم الأدب وتراث ثقافتنا بين الأصالة والمعاصرة في ذخائر وكتب ومصنفات ألفها باقتدار وصنفها بإتقان.