المبارك الگنوني
أحمد العبدري الحاحي من أهم الرحالة المغاربة في القرن السابع الهجري، وهو معاصر لابن رُشيد السبتي، والتّجيبي السبتي الرحال، وقد دَون العبدري مشاهداته في رحلة جليلة الفوائد، عظيمة القدر، هي “رحلة العبدري” أو “الرحلة المغربية”، وقد طبعت بالرباط سنة 1968 م بعناية الأستاذ الكبير محمد الفاسي الذي اعتمد على نسخ كثيرة من المخطوطة منها النسخة الموجودة بخزانة القرويين، كما طبعت الرحلة بدمشق سنة 1999م، دار سعد الدين، بتحقيق الدكتور علي إبراهيم كردي.
لقبه العبدري نسبة إلى بني عبد الدار بن قصي من قريش، والحاحي نسبة إلى بلاد (حاحة) بالسوس المغربية، الواقعة على بعد 60 كيلومترا من مدينة الصويرة في الشاطئ الأطلسي, وهو رحالة ومؤرخ وقاض وفقيه مغربي في القرن السابع الهجري، ولد بحاحا ونشأ بها، إلا أنه انتقل إلى مراكش حيث تعلم فيها إلى أن صار قاضيا. عاد بعد رحلته إلى حاحا وتوفي (نحو 1300 – نحو 700 هـ) بها وقبره معروف فيها يطلق عليه اسم (سيدي أبو البركات) وكان شاعرا فحلا وأديبا نقادا.
*************************************************************
من حاحة القبيلة البربرية المصمودية الشهيرة التي كانت وما تزال تقطن ما بين المحيط وسفوح الأطلس في بسيط من الأرض امتاز بوفرة خيراته من الأشجار والمراعي والينابيع – خرج الرحالة المغربي الكبير: أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن مسعود –أو سعود- العبدري في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 688 هـ قاصدا الديار المقدسة بالحجاز، مارا على منطقة سوس ما بين الاطلس الكبير والصغير، قاطعا الجنوب المغربي من الغرب إلى الشرق في ثلاثين مرحلة، حتى إذا وصل إلى الشرق أخذ طريق القوافل إلى تلمسان ومنها إلى تونس وليبيا ومصر ثم الحجاز..
أما عودته فكانت عن طريق فلسطين، فأقام في القدس خمسة أيام حضر فيها مجلسين علميين للقاضي بدر الدين بن جماعة، ثم رحل إلى الإسكندرية، ومنها وعلى طريق بجاية وتلمسان ووجدة يرجع إلى وطنه بعدما فارقه نحو السنتين..
ورغم أن أسلوب العبدري يبدو فيه كثير من التكلف والاهتمام بالمحسنات.. فقد استطاع أن يكتب رحلة نفيسة خلدن صاحبها وشرفت عصره واحتلت مكانتها كتراث مغربي جدير بالدراسة والبحث والنشر.يستدل من دراسة مقدمة رحلته أن المؤلف لم يعتمد في تسجيل معلوماته إلاّ على خبرته الشخصية وتجربته الحسية، فجاءت الرحلة غنية بالمشاهد الحية للطبيعة من سهول وجبال وأنهار وبحار، وبأوصاف المدن والمعالم الأثرية كوصفـه لمنارة الإسكندرية أو أهـرامات مصر أو قبـة الصخرة. وكثيـراً ما كـان يجنح إلى تصويـر الأوضـاع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، ويأتي على ذكر أعـلام الفقهاء في عصره، مما يدلّ على أن العبدري كان يملك حساً لمَّاحاً ولغة تصويرية حاذقة ومعرفة وثيقة بعلم الآثار والجغرافية الطبيعية والسكانية.
إلاّ أنه مع ذلك لم يكن يتحفظ في نقده اللاذع الصريح لما يصادفه من العادات المنكرة والسلوك الشائن.من ذلك مثلاً أنه حين دخل الإسكندرية أعجبه موقعها ومناظرها ومبانيها البديعة، لكنه أخذ يندد بالمعاملة التي كان الحجاج يلقونها على أيدي الحراس الذين يبالغون في تحصيل المكوس «فمدوا في الحجاج أيديهم، وفتشوا الرجال والنساء، وألزموهم أنواعاً من المظالم، وأذاقوهم ألواناً من الهوان …».
وأول ما يتبادر إلى ذهن دارس هذه الرحلة الممتعة النفيسة التي لا تزال في عالم المخطوطات الجديرة بالدراسة والنشر، هو السؤال عن حياة مؤلفها وترجمته وبيئته التي كيفت عقله وثقافته وأخلاقه، ولكن هذا السؤال سيظل بدون جواب مقنع عن حياة هذا الرحالة العبقري، لأن المؤرخين المشارقة والمغاربة – فيما نعلم- قد سكتوا عنه سكوتا عميقا غريبا حتى أنك لتشعر وأنت تبحث عن حياته في معاجم الرجال وكتب الطبقات كأنك تبحث عن مجهول في المجاهيل أو نكرة في النكرات.. على أن الأيام كفيلة بالمفاجئات والاكتشافات في ميدان البحث التاريخي.. فربما يأتي يوم نجد فيه أنفسنا أمام معلومات جديدة تتعلق بصاحبنا لا سيما وهو صديق حميم للمؤرخ المغربي الحافظ محمد بن عبد الملك صاحب الذيل والتكملة، ذلكم الكتاب الذي ما زال مبعثر الأجزاء بين الشرق والغرب.. وشيء آخر يقوي الأمل في العثور على ترجمته وهو اتصاله بكثير من شيوخ تونس وإعجابه بهم وثناؤه العاطر على علمهم وخلقهم ودينهم.. فلا يبعد أن يوجد منهم من يكتب عنه ما يكشف القناع عن ترجمته المجهولة لحد الآن..
والشيء الغريب هو أن المؤرخين المغاربة كانوا على علم تام برحلة العبدري واستفادوا منها ونقلوا عنها الشيء الكثير.. وكانت متداولة بينهم في الأندلس والمغرب منذ القرن الثامن.. لكنهم فيما رأينا لحد الآن من مخطوطات ومطبوعات يذكرون الرحلة ولا يكادون يعرجون على صاحبها..
عاد بعد رحلته إلى حاحا وتوفي بها ( نحو 700 هـ ) وقبره معروف فيها يطلق عليه اسم ( سيدي أبو البركات).
ق